٢١‏/٣‏/٢٠٠٧

الحدود والضوابط الجزائية التي يفرضها القانون على حرية الصحافة

بقلم الدكتور دريد بشرّاوي
أستاذ محاضر في القانون الجزائي الدولي والقانون الجزائي العام وفي الإجراءات الجزائية
في كلية الحقوق والعلوم السياسية التابعة لجامعة روبير شومان- فرنسا
أستاذ زائر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في انسبروك- النمسا
محام عام اسبق في فرنسا
محام بالاستئناف

تستعر الحروب الإعلامية وتدور رحاها، في هذه الأيام، على الساحة اللبنانية، حيث أضحى لكل مرجعية سياسية أو مذهبية وسيلتها الإعلامية، فتتضارب الأخبار السياسية والأمنية والاقتصادية وتتنافر، وتنقل الأحاديث والتصاريح الهجائية والمجرّحة إلى حد الذم والقدح دون خجل أو مواربة، ويخرج بعض الصحافيين المسخّرين على الحدود المهنية والقانونية باستعمال أساليب ملتوية وعبارات غير لائقة تحظّرها القوانين إذا ما قاربت مفهوم القدح والذم والتشهير. كل ذلك يخلق في ذهن المواطن العادي الكثير من الالتباسات والإغراءات حول العديد من الموضوعات السياسية والأساسية التي تتعلق بمصير الوطن والمؤسسات، وبالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، وينقل أحيانا للجماهير وقائع مشوهة أو مغلوطة أو ملفقة حول هذه الأمور عن سابق تصور وتصميم بهدف تضليل الرأي العام أو تأليب فئة ضد فئة، أو بهدف خلق جو معيّن من التوتر أو من الشحن والتحريض الطائفي أو المذهبي أو السياسي، أو حتى لممالأة أو لترضية هذا الزعيم السياسي أو ذاك، أو للانتقام من هذا الشخص أو ذاك لأسباب محض شخصية.
في ظل هذه الأجواء يبدو واضحا أن عدوى الاصطفاف المذهبي والسياسي وعدوى سياسة المحاور وتسخير الجماهير وتضليلها لم توفّر القطاع الإعلامي، فانتقلت إلى بعض وسائل الإعلام والى بعض الإعلاميين الذين يعتقدون أنهم فوق القانون وأنهم في موقع القوة والتسلّط إلى حد الاستخفاف بضيوفهم أو بالجمهور.

والغريب العجيب أن أصحاب هذه السلوكية يبنون أفعالهم وتصرفاتهم الخارجة على الحدود المهنية على أساس مبدأ حرية الصحافة أو حرية الرأي والتعبير. لكن حرية الصحافة التي يساء استعمالها من قبل البعض هي، كما الكل يعلم، بعيدة كل البعد عن التوجّه الأعوج، ولا يمكن أن يتسع مفهومها القانوني والدستوري لهذه الأساليب الملتوية التي تؤلّف حقيقة اعتداء على مهنة الصحافة الشريفة وعلى حقوق الكثيرين من الصحافيين الشرفاء والأحرار في لبنان.

مما لا شك فيه إن حرية الصحافة وحرية المواطن بالاستعلام وبالإطلاع على الصحف ووسائل الإعلام كافة تؤلّف مبدأ أساسيا من المبادئ التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية في العالم، وضمانة من الضمانات الأولية لممارسة الديمقراطية، وركيزة من المرتكزات الصلبة التي تُرسى عليها الأنظمة المؤمنة بحق المواطن بإبداء رأيه علنا، قولا وكتابة، وبحرية التفكير والمعتقد.

ومن هذا المنطلق بالذات يقتضي أن يكون الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة دورا أساسيا في عملية تفعيل الديمقراطية، وتشجيع الوفاق الوطني، وخلق مناخ ايجابي لتوطيد السلم الأهلي من خلال تغذية النقاش البنّاء والعلمي والحوار الراقي والموضوعي، ومن خلال عرض كافة الوجهات الفكرية والآراء في المجتمع بكل أمانة ورصانة بعيدا عن سياسات التحريض المذهبي والتضليل الإعلامي وتلفيق الأخبار التي تمهّد للفتن وتخلق لها الأرضية الصالحة. وهي إذا ما أدت هذه الرسالة المقدسة بكل حرية واستقلالية، تساهم في رفع شأن الوطن وتطوره وفي توجيه المواطن وتثقيفه وتنويره. ذلك أن من حق المواطن بأن لا يكون ضحية إعلام موجّه أو مأجور، وبأن يتم إعلامه بكل شؤون المجتمع على كافة أنواعها بطريقة صحيحة وصادقة وموضوعية كي يتمكّن من المساهمة في إحياء المشاريع الاجتماعية، ومن تكوين فكرة واضحة وصحيحة حول المواضيع الوطنية الأساسية المتعلقة بمصير الدولة والمؤسسات الدستورية وبممارسة الحياة السياسية وبالأمور الاجتماعية والاقتصادية بشكل حضاري وراقي، ومن الاشتراك في عملية تقدم وطنه وازدهاره.

وتطبيقا لهذه القواعد، كفل الدستور اللبناني حرية إبداء الرأي قولا وكتابة في المادة الثالثة عشر منه واعتبرها من المبادئ الأساسية الواجب احترامها ومن القواعد التي لا يجوز خرقها ولا الحد من تطبيقها، ذلك أن هذه الحرية هي التي تميّز النظام اللبناني الليبرالي عن غالبية الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في المنطقة حيث تمارس سياسة القمع وكم الأفواه وغلبة الرأي الواحد وضوابط النظام الحاكم.
ولأن لبنان آمن بحرية الرأي والتعبير قولا وكتابة وبحرية المعتقد وبحرية الطباعة، أعطى المشترع اللبناني لكل لبناني الحق المقدّس بأن يعلن عن آرائه السياسية والاجتماعية والفكرية بكل حرية، ومنح القانون هذه الحرية لوسائل الإعلام المرئية والمكتوبة لإطلاع الرأي العام اللبناني على كل ما يهمه من مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية وعلى كل الأمور المتعلقة بمسار الحياة السياسية وبنشاط المؤسسات الدستورية والإدارية في الدولة. لكن حرية إبداء الرأي والتعبير كأي حرية أخرى لا يجوز أن تمارس بشكل مطلق ومن دون ضوابط يحددها ويرسمها القانون. هذا لأن ممارسة الحقوق والحريات لا تعني في مطلق الأحوال النيل من حرية الآخرين والاعتداء على حرمتهم وكرامتهم وحقوقهم وشرفهم وسمعتهم. لهذا نصت المادة الثالثة عشر من الدستور اللبناني على أن " حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون". مما يعني أن ممارسة هذه الحريات تخضع لضوابط وشروط قانونية محددة ولا يمكن الحد منها إلا وفقا لما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء. وهذا ما تؤكّد عليه المادة الأولى من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 14 أيلول سنة 1962 فيما يتعلق بحرية الصحافة حيث جاء فيها إن " المطبعة والصحافة والمكتبة ودار النشر والتوزيع حرة، ولا تقيد هذه الحرية إلا في نطاق القوانين العامة وأحكام هذا القانون".

وبناء على هذه القواعد، يقتضي إرساء أسس التوازن بين حقين أساسيين ومختلفين في المجتمعات ذات الأنظمة الديمقراطية: الحق بإبداء الرأي والتعبير بواسطة وسائل الإعلام وحق المواطن بحرمة حياته الخاصة وبصون سمعته وشرفه وكرامته، ما يحتّم حماية حرية الصحافة بعدم ممارسة الضغوط عليها وبعدم حصرها ضمن منظومة خنق الحريات والتنكيل السلطوي والإرهاب والقمع الفكريين. كما أن ذلك يحتم في الوقت عينه بأن تحترم وسائل الإعلام في عملية نقل الخبر وإبداء الآراء مبادئ الموضوعية، وقواعد الشرف المهنية، وعدم اختلاق الأخبار الكاذبة والمغرضة، وعدم اعتماد سياسة تضليل الرأي العام لأسباب شخصية وسياسية ودينية وعقائدية، وعدم تطبيق منطق الافتراء والتحقير والتطاول على حرمة المواطن الشخصية وعلى شرفه وسمعته.
إن خرق هذه القواعد الأخيرة يؤدي إلى انحراف مهنة الصحافة عن مسارها الصحيح وعن أهدافها الشريفة، والى الاعتداء على قوانين المطبوعات وعلى ميثاق هذه المهنة الأخلاقي، ما قد يؤلّف في بعض الأحيان جرائم قدح وذم وافتراء وأخبار كاذبة يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني وقانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977 وكذلك قانون البث التلفزيوني والإذاعي ( م 35 من القانون رقم 382 الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني سنة 1994 ). لذلك قد يكون من المفيد أن يتعرّف الصحافي عن كسب على المفهوم القانوني الحقيقي لجرائم القدح والذم والأخبار الكاذبة وهي الجرائم الأخطر المرتكبة بواسطة المطبوعات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة ( أولا) ليطّلع بعد ذلك على النظام العقابي لهذه الجرائم كما حدده المشترع الجزائي ( ثانيا).

أولا: في مفهوم جرائم القدح والذم والأخبار الكاذبة المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام.

- قانون العقوبات
عرّف قانون العقوبات اللبناني فعلي الذم والقدح وحدّد العناصر التأسيسية لهذين الجرمين في الفصل المتعلق بالجرائم الواقعة على السلطة العامة، إذ جاء في نص المادة 385 من قانون العقوبات إن " الذم هو نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته. وكل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير يعد قدحا إذا لم ينطو على نسبة أمر ما...".
وحدّد المشترع الجزائي العقوبات التي يمكن إنزالها بفاعل هذين الجرمين وبشريكه أو بالمحرّض على ارتكابهما في حال وقوعهما باستعمال الوسائل المنصوص عليها في المادة 209 من قانون العقوبات، وهي الأعمال والحركات إذا حصلت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل من لا دخل له بالفعل والكلام والصراخ سواء جهر بها أو نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل والكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرّض للأنظار أو بيعت أو عرضت للبيع أو وزعت على شخص أو أكثر. ونصت المادة 582 من قانون العقوبات على أنه يعاقب على الذم بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 بالحبس حتى ثلاثة اشهر وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين وانه يقضى بالغرامة وحدها إذا لم يقع الذم علانية. أما فيما خص جريمة القدح، فقد جاء في المادة 584 من قانون العقوبات أنه " يعاقب على القدح بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 بالحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر أو بالغرامة من خمسين ألف إلى أربعماية ألف ليرة. ويقضى بالغرامة وحدها إذا لم يقترف القدح علانية".
- قانون المطبوعات
من جهته حدد قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977 عقوبات الذم والقدح المقترفين بواسطة المطبوعات بحق أحد الأشخاص الطبيعيين. فالمادة 20 من القانون المذكور تنص على أنه " يعاقب على الذم المقترف بواسطة المطبوعات بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة وبالغرامة... أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال التكرار لا يمكن أن تقل أي من العقوبتين عن حدها الأدنى". كما تنص المادة 21 من القانون ذاته على أنه " يعاقب على القدح المقترف بواسطة المطبوعات بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة... أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة التكرار لا يمكن أن تقل أي منهما عن حدها الأدنى".
ولا بد من الإشارة إلى أن القدح أو الذم الذي يوجّه إلى موظف بسبب وظيفته أو صفته، بواسطة المطبوعات، تعاقب عليه المادة 22 من قانون المطبوعات المذكور أعلاه بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة... أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة التكرار لا يمكن أن تقل أي من العقوبتين عن حدها الأدنى. وإذا كان الموظف الذي وقع عليه القدح أو الذم ممن يمارسون السلطة العامة كانت العقوبة من ثلاثة اشهر إلى سنة وإذا كان قاضيا في منصة القضاء من سنة إلى سنتين وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة التكرار لا يمكن أن تقل أي من العقوبتين عن حدها الأدنى ( م 22 من قانون المطبوعات). أما إذا نشرت إحدى المطبوعات ما يمكن وصفه بالتحقير لإحدى الديانات المعترف بها في لبنان أو ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية أو تعكير السلام العام أو التعريض بسلامة الدولة أو سيادتها أو وحدتها أو حدودها أو تعكير علاقات لبنان الخارجية بشكل يعرّض سلامة الدولة الخارجية للمخاطر، فيحق للنائب العام ألاستئنافي، وفقا لأحكام المادة 25 من قانون المطبوعات، أن يوقف المطبوعة لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تتجاوز الشهر وأن يصادر أعدادها وعليه أن يحيل المطبوعة على القضاء. وللقضاء أن يقرر في غرفة المذاكرة ( محكمة المطبوعات) استمرار توقيف المطبوعة حتى نتيجة المحاكمة، وللمحكمة في هذه الحالة أن تحكم بتوقيف المطبوعة مؤقتا على أن لا تتجاوز مدة التوقيف سنة واحدة، ولها أن تقضي أيضا بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة ... أو بإحدى هاتين العقوبتين ( يراجع قانون القضاء ألعدلي فيما خص مقادير الغرامات التي عدلت والتي يمكن للمحكمة أن تقضي بها). ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا أن منح النائب العام الاستئنافي حق توقيف المطبوعة المخالفة لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تتجاوز الشهر يناقض مبدأ فصل مهمات الاتهام أو الادعاء عن مهمات الحكم، إذ أن تدبير توقيف المطبوعة يتسم بصفة العقوبة الجزائية التي لا يمكن النطق بها إلا من قبل قضاء الحكم المختص ( أي محكمة المطبوعات). يضاف إلى ذلك أنه لا يجوز للنائب العام أن يقرر النطق بعقوبة مماثلة أو بأي عقوبة جزائية أخرى ضد الشخص الطبيعي أو المعنوي المخالف وذلك لأنه يمثّل النيابة العامة أي الاتهام في القضية ولا يمكن أن يكون تاليا الخصم والحكم في آن معا. هذا عدا عن أن صلاحية النطق بعقوبات جزائية أصلية أو فرعية أو إضافية لا تدخل في عداد صلاحيات النائب العام الاستئنافي المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. كذلك إن إجراء توقيف المطبوعة من قبل النائب العام الاستئنافي قبل تحريك دعوى الحق العام وقبل التثبّت من توفر عناصر الجريمة المسندة إلى الشخص المشتبه به يخالف بشكل فاضح مبدأ قرينة البراءة والمبدأ القاضي بأن لا يدان أي شخص جزائيا ولا يحكم عليه بعقوبة جزائية إلا بعد تقديمه لمحاكمة جزائية عادلة توفر له خلالها سبل الدفاع عن نفسه وتتطابق مع المعايير الدولية للمحاكمات الجزائية العادلة وذلك وفقا لما تنص عليه الاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان. وهذا هو الموقف القانوني ذاته الواجب اتخاذه فيما خص تدبير توقيف المطبوعة ومصادرة أعدادها الذي يمكن للنائب العام الاستئنافي تطبيقه بحق المطبوعة التي تعرضت لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسا بكرامته، أو نشرت ما يتضمن ذما أو قدحا أو تحقيرا بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية وفقا لما جاء في الفقرة الثانية من المادة 23 من قانون المطبوعات التي تخرق بشكل واضح وفاضح المبادئ والأصول الأساسية للملاحقة وللمحاكمة الجزائية العادلة المشار إليها أعلاه، والتي تنص على أنه " يحق للنائب العام الاستئنافي أن يوقف المطبوعة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تتجاوز عشرة أيام وأن يصادر أعدادها، وعليه أن يحيل المطبوعة إلى القضاء الذي يعود له أن يقرر في غرفة المذاكرة استمرار توقيفها حتى انتهاء المحاكمة وأن يقضي بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة... أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز في أي حال أن تقل عقوبة الحبس عن شهر والغرامة عن حدها الأدنى...".

- قانون البث التلفزيوني والإذاعي
أما فيما خص جرائم القدح والذم والأخبار الكاذبة المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية، والتي لا تدخل مباشرة في نطاق هذه الدراسة، فتنص المادة 35 من قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 382/1994 الصادر بتاريخ 4 تشرين الثاني/نوفمبر 1994 على أنه " تطبق على الجرائم المرتكبة بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام وفي قانون المطبوعات وفي هذا القانون وسائر القوانين المرعية الإجراء، على أن تشدد هذه العقوبات وفقا للمادة 257 من قانون العقوبات. وتضاف عبارة " المؤسسات التلفزيونية والإذاعية" حيث يلزم في جميع القوانين المذكورة ويعتبر البث بواسطتها مرادفا للنشر المنصوص عليه في المادة 209 من قانون العقوبات".
وينتج من هذا النص أن جرائم القدح والذم والتحقير المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام المرئية والإذاعية تخضع هي أيضا لأحكام قانون العقوبات العام أي لأحكام المادة 385 وما يليها من القانون المذكور في حال وقع الذم أو القدح على رئيس الدولة ( عقوبة حبس من شهرين إلى سنتين في حال الذم وعقوبة حبس من شهر إلى سنة في حال القدح) أو وجّه إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة أو إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته ( م 386 و م 388 من قانون العقوبات: عقوبة الحبس سنة على الأكثر في حال الذم وعقوبة الحبس ستة اشهر على الأكثر في حال القدح، وعقوبة الحبس ثلاثة اشهر على الأكثر والغرامة إذا وقع الذم على موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته وعقوبة الغرامة إذا وقع جرم القدح على الموظف المذكور) أو إلى قاض دون أن يكون لوظيفته علاقة بذلك ( م 389 من قانون العقوبات: عقوبة الحبس ستة أشهر على الأكثر في حالات القدح والذم والتحقير). غير انه يقتضي تشديد هذه العقوبات، إذا كانت قد ارتكبت بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية، وذلك وفقا لأحكام المادة 257 من قانون العقوبات التي تنص على أنه " إذا لم يعيّن القانون مفعول سبب مشدد، أوجب السبب المذكور تشديد العقوبة على الوجه التالي: يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزاد كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة".
يشار إلى أن جرائم القدح والذم المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والواقعة على أحد الناس من غير المشمولين بأحكام المادة 386 وما يليها من قانون العقوبات أي الواقعة على أي شخص آخر لا يتمتع بأي صفة عامة من تلك المذكورة أعلاه تقع تحت نصوص المواد 582 إلى 586 من قانون العقوبات.
أما فيما خص جرم الأخبار الكاذبة المرتكب بواسطة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فيخضع لأحكام المادة الثالثة وما يليها من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104/77 تاريخ 30 حزيران سنة 1977.

وبالتأسيس على ما ورد أعلاه، يقتضي التركيز في هذه الدراسة على مفاهيم الجرائم الأساسية والأهم التي يمكن ارتكابها من قبل أي صحافي لدى قيامه بممارسة مهنته، أي جرائم الذم القدح والأخبار الكاذبة المرتكبة خصوصا بواسطة المطبوعات.

ألف: فعل الذم
يؤلّف فعل ذم، عملا بأحكام قانون العقوبات، إسناد أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته. لذلك، ونظرا إلى أن هذا الفعل يلحق ضررا بشرف وسمعة الشخص المستهدف، يمكن وصفه بجريمة ذم تقع تحت أحكام قانون العقوبات وقانون المطبوعات وتعرّض فاعليها والمشتركين والمتدخلين في عملية ارتكابها للعقوبات الجزائية المنصوص عليها في قانون المطبوعات. وهذا ما هو ثابت باجتهاد محكمة الجنح الفرنسية في باريس التي اعتبرت في احد قراراتها إن " مجرد إعطاء الإيحاء بأن إحدى الشخصيات السياسية قامت بزيارة دولة معادية وعقدت صفقات مشبوهة مع المسؤولين فيها يؤلّف جريمة ذم تقع تحت طائلة العقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون" :
« Constitue un délit de diffamation, l’insinuation qu’un homme politique s’est rendu dans un pays ennemi pour y pactiser avec ses dirigeants » ( Tribunal correctionnel de Paris, 9 janvier 1992, Gazette du Palais 1992, I , p. 182, note Beilger ; Dalloz 1994, Sommaire, p. 195, observations Bigot).

كما تقرر أن عبارات " عميل وخائن للوطن" تتضمن ذما بالشخص المستهدف وتؤلّف العناصر التأسيسية لجريمة الذم التي تعرّض فاعلها للملاحقة الجزائية إذا تبيّن أن هذه العبارات تنسب للشخص المذكور أمر قيامه بعقد اتفاقات سرية مع العدو أو اجتماعه بأشخاص أو مسؤولين معادين لحكومة بلاده ( بهذا المعنى: قرار الغرفة الجزائية لمحكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 17 شباط/فبراير 1949، النشرة الجنائية لمحكمة النقض، رقم 66 – قرارها أيضا الصادر بتاريخ 31 آذار/مارس 1960 ، النشرة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية، رقم 193 ). كذلك اعتبرت محكمة الجنح في باريس إن اتهام الشخص المستهدف، بواسطة الصحف، بالانتهازي وبالعميل وبالتلميذ المطيع للاحتلال كونه تعاون مع هذا الاحتلال يؤلّف جريمة ذم يعاقب عليها القانون وتستوجب ملاحقة فاعلها أمام القضاء الجزائي المختص ( قرار محكمة الجنح في باريس الصادر بتاريخ 24 شباط/فبراير 1999 ( Gazette du Palais ) ، 1999 ، القسم الثاني، ملخص الاجتهاد، ص. 583 ).

يعتبر أيضا ذما يقع تحت أحكام قانون العقوبات وقانون المطبوعات نسبة أمر إلى شخص معين لا يتطابق مع الواقع والحقيقة كالادعاء بأنه ملاحق أمام العدالة الجزائية أو محكوم عليه بحكم جزائي ومحروم من حقوقه المدنية لارتكابه جريمة معينة. وهذا ما أكدته الغرفة الجزائية في محكمة النقض الفرنسية بقرارها الصادر بتاريخ 18 كانون الثاني 1950 حيث جاء فيه ما يلي:
« Constitue une diffamation la désignation d’un tiers comme « condamné de droit commun privé de ses droits civiques » ( Crim., 18 janvier 1950, Bull.crim., n°18 ; Dalloz 1950, p. 281 ».
وتؤكّد المرجعية القضائية ذاتها على إن استعمال عبارات تتضمن اتهاما للشخص المعني بأنه كان ملاحقا من قبل العدالة ومحكوما عليه بأحكام جزائية يؤسس جريمة ذم تعرّض فاعلها للملاحقة الجزائية أمام القضاء الجزائي المختص ( بهذا المعنى: قرار الغرفة الجزائية في محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 12 تموز 1972، النشرة الجنائية، رقم 239 – دالوز 1972 ، ملخص الاجتهاد، ص. 210 ). كذلك إن الادعاءات التي تطال من شخص معيّن باعتباره ممن اعتادوا على السرقة عبر أفعال يمكن إثباتها بسهولة أمام القضاء تؤلّف جريمة ذم يعاقب عليها القانون ( بهذا المعنى: قرار الغرفة الجزائية في محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 27 تموز 1982 ، النشرة الجنائية، رقم 199 ).

غير أنه تجدر الإشارة إلى أن استهداف شخص ما بعبارات أو ادعاءات مبهمة وغير واضحة وغير صريحة من دون تضمينها نسبة أفعال محددة إلى هذا الشخص، كنقد نظرية عقائدية معينة يؤمن بها أو موقف سياسي معين كان قد أعتمده، لا يحقق العناصر التأسيسية لجريمة ذم يعاقب عليها القانون، وهو يدخل في نطاق حرية النقاش والحوار أو في نطاق استعمال عبارات أدبية جارحة أو غير رصينة ومبالغ فيها. وهذا ما يؤكّده اجتهاد المحاكم الجزائية في فرنسا :
« Sont insuffisants pour constituer le délit de diffamation… des attaques vagues et générales, ne dépassant pas le cadre de la liberté de discussion » ( Crim., 22 novembre 1934, Bull.crim., n°200 – Crim., 26 février 1958, Bull.crim., n° 202- Crim., 4 décembre 1962, Bull.crim., n° 335). « Sont insuffisants pour constituer le délit de diffamation les allégations se réduisant à la simple manifestation, rédigée en termes dénués de mesure, d’une opinion » ( crim., 22 octobre 1958, Bull.crim., n° 642 ) « … les simples propos qui sont utilisés dans la littérature, parfois excessive, dont se sert la polémique ( Crim., 4 décembre 1962, Bull.crim., n° 335 ). « La diffamation suppose l’imputation ou l’allégation d’un fait déterminé et ne peut se confondre avec une polémique portant sur la doctrine d’un parti politique » ( Crim., 21 mars 1990, Gazette du palais, 1992, 1, Somm. 227) -.

ويذكر، على سبيل المثال، أن وصف الشخص بأنه نازي من دون إرفاق هذا الوصف بنسبة أمور أو أفعال محددة إليه لا يؤلّف جريمة ذم وإنما جريمة قدح يعاقب عليها القانون وذلك وفقا لاجتهاد المحاكم الجزائية الفرنسية:

« Si le terme « nazi » peut constituer une injure, son utilisation sans aucune imputation d’un fait particulier ne saurait à elle seule caractériser une diffamation. Il en est de même de l’allusion à un « nazillon polonais » ( En ce sens : Paris, 1er juin 1995 : Revue de droit pénal 1995, 253 ; confirmé par : Crim , 29 janvier 1998, Gazette du palais 1998, 1 , chronique criminelle, 75 – Tribunal de Grande Instance de paris, 6 décembre 2000, Gazette du palais 2001, 1 , p. 122, note B. Ader).


باء: فعل القدح

ينطبق وصف القدح على كل عبارة ازدراء أو عبارات أخرى تتضمن التحقير والإهانات وتكون موجهة إلى شخص معين إما بصورة مباشرة وإما نقلا عن أشخاص لم يكشف عن هويتهم ومن دون أن تنطوي هذه العبارات على نسبة أمر ما إليه، وذلك وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 385 من قانون العقوبات اللبناني. وقد تنطوي العبارات ذاتها على قدح وذم في آن معا ويلاحق الفاعل بالجرمين في حال كانت العبارات المذكورة قابلة للتجزئة. وهذا ما أقره اجتهاد محكمة النقض الفرنسية بغرفتها الجزائية حيث جاء في قراراها الصادر بتاريخ 22 شباط/ فبراير 1966 ما يلي:
« Un texte peut contenir, à la fois, des termes diffamatoires et des termes injurieux, justifiant une double déclaration de culpabilité du chef de diffamation et du chef d’injure… » (Décision de la Chambre criminelle de la Cour de cassation du 22 février 1966, Bulletin criminel, n° 62).
وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في احد قراراتها إن وصف الشخص " بغير الأهل" "وبغير الكفء" "وبالكاذب" في وسائل الإعلام يؤلّف جريمة قدح يعاقب عليها القانون:
« Constituent des injures et non une diffamation, dès lors qu’elles ne contiennent l’imputation d’aucun fait précis, les qualifications de « menteuse, incapable, incompétente » adressées par le prévenu à sa supérieure hiérarchique, cadre de la fonction publique territoriale » ( Cass. Crim., 27 novembre 1997, Gazette du Palais, 1998, I, Chronique criminelle, p. 35).

يضاف إلى ذلك أن وصف الشخص " بغير قادر على ابتداع برنامج عملي واضح للسير به..." يؤلّف جريمة قدح واقعة على الشخص المستهدف حتى ولو اثبت الكاتب أو الصحافي أنه أورد هذه العبارات نقلا عن أشخاص معينين. فجريمة القدح تتوفر عناصرها التأسيسية وان تمكّن الفاعل من أن يثبت أن العبارات المستعملة نشرت نقلا عن شخص محدد الهوية كان قد أدلى بها أمام كاتب أو مقدّم المقال أو الخبر، إذ أن قانون العقوبات الذي نص في المادة 387 منه على أن " يبرّأ الظنين إذا كان موضوع الذم عملا ذا علاقة بالوظيفة وتثبت صحته"، لم ينص البتة على امكان تبرئة فاعل جريمة القدح في حال تمكّن من إثبات صحة " العبارة الجرمية" المستعملة أو واقعة نقلها عن شخص تلفّظ بها. حتى أن المشترع ذهب إلى ابعد من ذلك، في الحال التي لا يكون فيها موضوع الذم عملا ذا علاقة بالوظيفة، بالنص في المادة 583 من قانون العقوبات على أنه " لا يسمح لمرتكب الذم تبريرا لنفسه بإثبات حقيقة الفعل موضوع الذم أو إثبات اشتهاره". وهذا ما يعتبر من البديهيات القانونية بالنسبة لفعل القدح، إذ لا يمكن إثبات صحة فعل القدح كونه لا يتضمن نسبة أمر ما للشخص المتضرر ولا يمكن تاليا تبريره أو تقديم الدليل على حقيقة موضوعه. وهذا ما يؤكّده اجتهاد محكمة النقض الفرنسية في معرض تطبيق للقانون المتعلق بحرية الصحافة الصادر بتاريخ 29 تموز سنة 1881 والذي تضمّن في المادة 29 منه تعريفا لجريمتي الذم والقدح بواسطة المطبوعات ووسائل الإعلام مشابها تماما للتعريف المنصوص عليه في المادة 385 من قانون العقوبات اللبناني. وقضت المحكمة المذكورة بقرارها الصادر بتاريخ 12 تموز سنة 1971 بأن القانون لا يجيز بتاتا إثبات الأفعال التي تبرّر حقيقة القدح:
« La preuve de faits pouvant justifier la vérité de l’injure n’est jamais autorisée » ( Cass. Crim., 12 juillet 1971, Bulletin criminel, n° 229).

إن العبارات المشار إليها أعلاه والتي تنال من شرف وسمعة الشخص المستهدف تؤلّف جريمة قدح كونها تنطوي على تحقير واضح وكون موضوعها لا يتضمّن نسبة أي أمر محدد له أو واقعة ثابتة أو مؤرخة. وهذا الاتجاه القانوني ثابت باجتهاد المحاكم اللبنانية والمحاكم الجزائية الفرنسية ولاسيما باجتهاد محكمة النقض الفرنسية التي تعتبر أن وصف هيئة معينة أو شخص معين " بالدموي" أو " بالنازي" من خلال عبارات منشورة في الصحف أو وسائل الإعلام يؤلّف جريمة قدح بكل عناصرها القانونية تستوجب ملاحقة فاعلها جزائيا والحكم عليه بالعقوبات الجزائية التي ينص عليها القانون:
« Constitue des injures la phrase « l’armée s’entraîne à noyer dans le sang les révoltes populaires » ( Décision de la Cour de Cassation française, chambre criminelle, du 9 octobre 1974, Bulletin criminel, n° 282). Aussi, « constituent des injures les termes de « nazis « ou de « nazillons », dès lors qu’il n’est pas allégué une appartenance sous l’occupation à des organisations nazies » ( Arrêt de la Cour d’appel de Paris, chambre criminelle, du 1er juin 1995, Revue de droit pénal 1995, p. 253- Confirmé par la Cour de Cassation dans sa décision du 29 janvier 1998, Gazette du palais 1998, I , chronique criminelle, P. 75).

وهذه العبارات المذكورة في القرار المذكور أعلاه تعني بكل صراحة ان الكاتب يعتبر الشخص المعتدى عليه " خائنا" " وعميلا"، وهي تحمل في طياتها تحقيرا خطيرا للشخص المستهدف من دون الإشارة إلى أي واقعة محددة أو ثابتة يمكن إسنادها إليه على هذا الصعيد. لذلك فان استعمال العبارات المذكورة يؤلّف جريمة قدح بحق الضحية وخصوصا ان اجتهاد محكمة النقض الفرنسية، بغرفتها الجزائية، يؤكّد ان توجيه عبارات التخوين لشخص معيّن بواسطة وسائل الإعلام ووصفه " بالعميل" يعتبر جريمة قدح يعاقب عليها القانون :
« Constitue des injures l’expression outrageante « traître » » ( Décision de la chambre criminelle de la Cour de cassation du 6 mars 1974, Bulletin criminel, n° 97).

واجتهاد المحاكم اللبنانية كما اجتهاد المحاكم الفرنسية يؤكّد على هذا الاتجاه القانوني بالحكم بأن وصف شخص محدد " بالمخادع أو بالكاذب" بواسطة عبارات منشورة في وسائل إعلامية يعد جريمة قدح يعاقب عليها القانون. وهذا ما قررته مؤخرا محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها:
« Les propos « manipulateur, menteur, bonimenteur » sont injurieux et le contexte polémique électorale dans lequel ils sont tenus n’est pas de nature à faire disparaître leur caractère gravement outrageant » ( Décision de la chambre criminelle de la cour de cassation du 30 mars 2005, La semaine juridique 2005, édition générale, IV, 2136).

يضاف إلى ذلك أن وصف الشخص في احد المقالات أو في خبر تلفزيوني أو إذاعي ما بالمريض العقلي أو بالمصاب بمرض الهلوسة أو بصاحب عقد كعقدة الكبرياء أو كعقدة النقص دون أن يسند إليه أي أمر أو فعل محدد المعالم والأوصاف يؤسس جريمة قدح تقع تحت أحكام قانون العقوبات وأحكام قانون المطبوعات المشار إليه أعلاه.

جيم: الأخبار الكاذبة أو الملفقة.
إن الخبر الكاذب أو الملفّق هو المعلومة التي تنشرها إحدى الوسائل الإعلامية المنصوص عليها في قانون المطبوعات أو في غيره من القوانين الخاصة والتي لا تتطابق مع حقيقة الأمور التي تؤلّف موضوع الخبر أو التي تؤلّف خبرا مختلقا أو ملفقا بحيث لا تتمكّن الوسيلة الإعلامية أو الصحافية الناشرة من إثبات صحته.
وتعاقب المادة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977 ليس فقط نشر الأخبار الكاذبة التي من شأنها تعكير السلام العام وإنما أيضا الأخبار الكاذبة المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، إذ جاء في فقرتها الثالثة أنه " إذا كان الخبر الكاذب يتعلق بالأشخاص الطبيعيين أو المعنويين دون أن يكون من شأنه تعكير السلام العام فتتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر ويعاقب المسؤولون بالحبس من ثلاثة اشهر إلى ستة أشهر وبالغرامة ... أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلا عما يحكم به من تعويض للمتضرر...".


ثانيا: في النظام العقابي لأفعال القدح والذم والأخبار الكاذبة المرتكبة بواسطة المطبوعات.

إن أفعال القدح والذم والأخبار الكاذبة المرتكبة بواسطة المطبوعات تقع تحت طائلة المادة 385 من قانون العقوبات والمواد 3 و17 و 18 و 19 و20 و21 و22 و23 و 24 و 25 و 26 وما يليها من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977 وتعرّض فاعليها وكل من يظهره التحقيق شريكا أو محرضا أو متدخلا في هذا العمل الإجرامي للملاحقة الجزائية أمام محكمة المطبوعات بناء على شكوى المتضرر مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي. مما يرتب تحديد المسؤوليات الجزائية وإسنادها إلى الأشخاص المسؤولين عن هذه الجرائم والحكم عليهم بالعقوبات الجزائية المنصوص عليها في قانون المطبوعات وبالتعويض عن الضرر المعنوي الجسيم الذي لحق بالأشخاص المستهدفين.

ألف- آلية تحديد المسؤوليات الجزائية.

نصت المادة 17 من قانون المطبوعات المشار إليه أعلاه أنه " في كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون بشأن قضايا الذم والقدح والتحقير تطبق عليه أحكام قانون العقوبات العام...". وهذا يعني أن النص الواجب تطبيقه أساسا هو نص قانون المطبوعات الاستثنائي الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977، وان قانون العقوبات لا يطبق إلا في ما لم يرد عليه نص في قانون المطبوعات بشأن جرائم القدح والذم والتحقير المرتكبة بواسطة المطبوعات. ومن هنا فان الآلية القانونية الواجب اعتمادها لتحديد المسؤوليات الجزائية الناتجة من ارتكاب هذه الجرائم هي الآلية المنصوص عليها في قانون المطبوعات إذا كانت عبارات القدح أو الذم أو الأخبار الكاذبة قد وردت في وسيلة نشر ترتكز على تدوين الكلمات والأشكال بالحروف والصور والرسوم وتدخل في إطار التعريف القانوني للمطبوعات المنصوص عليه في المادة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بتاريخ 14 أيلول سنة 1962 والمعدّل بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977. وبهذا فان الأشخاص الذين تثبت مسؤوليتهم عن أعمال القدح والذم والأخبار الكاذبة المشار إليها آنفا يخضعون لأحكام قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977.
وعلى هذا الأساس فان المسؤولية الجزائية الناتجة من أفعال القدح والذم والأخبار الكاذبة المرتكبة بواسطة مقال منشور في وسيلة نشر ما ( مطبوعة) تقع على عاتق الكاتب وعلى المدير المسؤول في الوسيلة المذكورة كفاعلين أصليين وعلى كل من يظهره التحقيق شريكا أو متدخلا في هذه الجرائم أو محرضا على ارتكابها وذلك وفقا لما جاء في المادة 26 من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم رقم 104 تاريخ 30 حزيران 1977 التي تنص على " ان العقوبات التي يقضى بها بسبب الجرائم المرتكبة بواسطة المطبوعات الصحفية تقع على المدير المسؤول وكاتب المقال كفاعلين أصليين. وتطبق في هذا المجال أحكام قانون العقوبات المتعلقة بالاشتراك أو التدخل الجرمي...". من جهة أخرى، تقع على صاحب المجلة أو المنشورة أو الصحيفة مسؤولية مدنية بالتضامن عن الحقوق الشخصية ونفقات المحاكمة ويجب بناء على ذلك إدخاله في المحاكمة الجزائية كي يتحمل بالتضامن والتكافل مع الفاعلين الأصليين والمساهمين في ارتكاب هذه الجرائم النفقات والمصاريف والتعويضات الشخصية. وهذا عملا بأحكام المادة 26 من قانون المطبوعات المشار إليها والتي جاء فيها أنه " ... أما صاحب المطبوعة الصحفية فيكون مسؤولا مدنيا بالتضامن عن الحقوق الشخصية ونفقات المحاكمة ولا تترتب عليه مسؤولية جزائية إلا إذا ثبت تدخله الفعلي في الجريمة المرتكبة...". وبذلك يكون صاحب وسيلة النشر مسؤولا مدنيا بالتضامن مع الفاعلين الأصليين وتجوز ملاحقته جزائيا إذا أثبت التحقيق مساهمته في ارتكاب جرائم القدح والذم وتلفيق الأخبار الكاذبة بحق الضحية بطريق التدخل أو الاشتراك أو التحريض.

وانطلاقا من هذا الواقع القانوني فان الادعاء المباشر بجرمي القدح والذم وبجرم تلفيق الأخبار الكاذبة يطال كاتب المقال أو الخبر موضوع الدعوى والمدير المسؤول في المجلة أو الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية التي ورد فيها المقال أو الخبر على أن يقرر إدخال صاحب المجلة أو وسيلة النشر بصفة مسؤول مدني بالتكافل والتضامن مع الفاعلين الأصليين.

باء: الملاحقة الجزائية.

لا تتحرك دعوى الحق العام في قضايا القدح والذم إلا بناء على شكوى الشخص الطبيعي المتضرر، وذلك عملا بأحكام المادة 18 من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 التي جاء فيها أنه" إذا كان الجرم واقعا على الأشخاص الطبيعيين تقام دعوى القدح والذم بناء على شكوى الشخص الطبيعي المتضرر". وبهذا يكون على المتضرر أن يتقدم إما بدعوى مباشرة مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام محكمة المطبوعات ضد كاتب المقالة التي تضمنت عبارات القدح أو الذم أو الأخبار الكاذبة وكل من يظهره التحقيق شريكا أو متدخلا في الجرائم المذكورة التي استهدفته أو محرضا على ارتكابها، وإما بشكوى أمام النيابة العامة المختصة وهي النيابة العامة التابع لها محل وقوع جرائم القدح والذم والأخبار الكاذبة أو محل إقامة المدعى عليه، وإما بشكوى مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق التابع له محل وقوع الجرائم المدعى بها أو محل إقامة المدعى عليه. وإذا اقتضت الدعوى تحقيقا قضائيا، فعلى قاضي التحقيق أن يقوم به، تطبيقا للمادة 29 من قانون المطبوعات، وأن يحيل القضية على المحكمة في مهلة لا تتجاوز خمسة أيام. غير أنه إذا تعرّضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسا بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذما أو قدحا أو تحقيرا بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية تتحرك دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر وذلك وفقا لما تنص عليه المادة 23 من قانون المطبوعات. ويجب، في كل الأحوال، أن تكون الدعوى مقبولة من حيث الشكل ومن حيث الموضوع كي تتمكّن محكمة المطبوعات من الحكم على الشخص الملاحق أمامها بالعقوبات المنصوص عليها قانونا.

1- من حيث الشكل
إن الدعوى تكون مقبولة من حيث الشكل إذا كانت مقدمة من قبل مدع صاحب صفة وصاحب مصلحة، أي من قبل الشخص المستهدف بالقدح أو الذم أو الأخبار الملفقة أو الكاذبة، ذلك أن هذا الشخص هو من تنطبق عليه صفة المتضرر من جرائم القدح والذم والأخبار الكاذبة التي نالت من سمعته وشرفه وكرامته وألحقت به ضررا معنويا بالغا. وكي تكون الدعوى مقبولة من حيث الشكل يجب أيضا أن ترفع إلى المرجعية القضائية المختصة ضمن المهلة القانونية المحددة بنص المادة 17 من قانون المطبوعات المذكور أعلاه التي جاء في أحكامها انه " في كل ما لم يرد عليه نص في هذا القانون بشأن قضايا الذم والقدح والتحقير تطبق عليه أحكام قانون العقوبات العام، على أن تحدد مدة الإسقاط لقبول الشكاوى الناشئة عنها أو عن أية قضية أخرى من جرائم المطبوعات بثلاثة اشهر من تاريخ نشر الخبر موضوع الشكوى للمقيمين في لبنان وستة اشهر للمقيمين في خارجه".
وهذا يعني انه يقتضي أن تكون الدعوى مقدمة أمام المرجع القضائي المختص مكانيا وموضوعيا ضمن فترة ثلاثة اشهر يبدأ سريانها من تاريخ نشر النص الذي تضمن عبارات القدح أو الذم أو الأخبار الكاذبة موضوع الدعوى. وتكون محكمة المطبوعات هي المرجع المختص للنظر في الدعوى ولإصدار حكم في القضية إذا كان جرم القدح أو الذم المنصوص عليه في قانون العقوبات ( م 582 و 584 ) أو جرم الأخبار الكاذبة قد ارتكب بواسطة المطبوعات. وهذا ما تم التأكيد عليه في قرارات الغرفة الجزائية لمحكمة التمييز اللبنانية التي تشير إلى أنه " وحيث أن قاضي التحقيق الأول قد اعتبر في قراره أن البيان المنوّه عنه قد تضمّن عبارات تنال من كرامة وسمعة المدعي، كما تضمن عبارات وتشابيه ازدراء بحق هذا المدعي، وان كل ذلك يشكّل جنحتي الذم والقدح المنصوص عليهما في المادتين 582 و 584 من قانون العقوبات. وحيث أن المادة 17 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 قد استثنت من تطبيقه قضايا القدح والذم والتحقير التي لم يرد نص عليها في أحكام هذا المرسوم الاشتراعي. وحيث ان المادتين 20 و 21 من المرسوم الاشتراعي المذكور قد حددتا العقوبات لجرمي الذم والقدح المقترفين بواسطة المطبوعات. وحيث يقتضي تبعا لذلك، تطبيق أحكام هذا المرسوم الاشتراعي على فعلي القدح والذم موضوع هذه الدعوى المقترفين بواسطة المطبوعات. وحيث أن المادة 28 من المرسوم الاشتراعي رقم 104/77 قد أولت محكمة الاستئناف النظر في جميع القضايا المتعلقة بجرائم المطبوعات وذلك بالدرجة الأولى. وحيث أن الدعوى الحاضرة تكون بذلك من اختصاص محكمة الاستئناف في بيروت- الغرفة الناظرة بجرائم المطبوعات ( قرار الغرفة الجزائية لمحكمة التمييز رقم 274، الغرفة السادسة، الصادر بتاريخ 3/12/2002 ، منشور في صادر في التمييز، القرارات الجزائية، 2002 ، ص. 848 – يراجع أيضا في المعنى ذاته قرارها رقم 457 الصادر بتاريخ 12/12/2001 ، منشور في صادر في التمييز، القرارات الجزائية، 2001 ، ص. 514 ). وعلى محكمة المطبوعات، عندما تحال القضية عليها رأسا ( من النيابة العامة) أو بقرار من قاضي التحقيق، أن تبدأ المحاكمة في مهلة خمسة أيام على الأكثر وأن تصدر قرارها في مهلة أقصاها شهر من تاريخ إحالة القضية عليها، وذلك عملا بأحكام المادة 30 من قانون المطبوعات.

2- من حيث الموضوع.

يجب أن تتضمن الدعوى بالدلائل الحسية القاطعة وصفا للأفعال الجرمية التي شكّلتها العبارات والاتهامات والأخبار الواردة في النص أو المقال الذي نشرته المطبوعة أو الوسيلة الإعلامية بحيث يتطابق هذا الوصف مع تعريف جريمتي القدح والذم المنصوص عليه في المادة 385 من قانون العقوبات وبحيث يتبيّن بوضوح أن هذه الأفعال تمس بكرامة وشرف الشخص المستهدف ( المدعي)، وتقع تاليا تحت أحكام هذه المادة القانونية وأحكام المادتين 582 و 584 من قانون العقوبات وأحكام قانون المطبوعات. فإذا كان ما ورد في المقال أو الخبر موضوع الدعوى يوّفر العناصر المادية والمعنوية اللازمة لجريمتي القدح والذم، يمكن بالتأسيس على هذه العناصر الحكم على المدعى عليه بالعقوبات الجزائية المنصوص عليها في القانون. ومن هنا يقتضي للحكم على المدعى عليه بفعل القدح أو الذم أن تضمن العبارات والاتهامات الموجهة إلى الشخص المتضرر تحقق من جهة العنصر المادي لجريمتي القدح أو الذم، ومن جهة أخرى النية الجرمية للفاعل المدعى عليه بالنيل من شرف أو سمعة الشخص المتضرر أو بتحقيره( أي ثبات العنصر المعنوي لإحدى هاتين الجريمتين). وما يمكن أن يدل على ثبات النية الجرمية للكاتب وعلى نيته السيئة بإلحاق الضرر بالشخص المستهدف وبالتشهير به وبالاعتداء على كرامته وشرفه هي واقعة تكرار الاتهامات وعبارات التحقير والإهانة في مقال أول أو في خبر أول منشور وإعادة تكرار العبارات والاتهامات ذاتها في مقال ثان أو في خبر ثان من دون أن تكون مستندة إلى أي دليل موضوعي أو واقعة محددة أو ثابتة. مما قد يظهر بوضوح ما يكنّه الكاتب من عداء للشخص المتضرر وتصميمه على ارتكاب أفعال القدح والذم بحقه وإرادته الهادفة إلى المس بكرامته وبسمعته وبتوجيه عبارات التحقير إليه. وهذا قد يثبت أيضا أن الكاتب لم يقدم على هذا السلوك عن حسن نية وإنما بنية إلحاق الأذى والضرر بالمدعي. وعدم امكان الدفع بحس النية، في مثل هذه الحال، ثابت باجتهاد المحاكم ولاسيما باجتهاد محكمة النقض الفرنسية التي قررت أنه:
« Constitue une circonstance exclusive de la bonne foi, la constatation de l’animosité personnelle de l’auteur des propos diffamatoires avec le fait de le dire de bonne foi » ( Décision de la Chambre criminelle de la Cour de Cassation du 30 mars 2005, la Semaine juridique, 2005, IV, édition générale, 2132).

وهذه هي الحال أيضا بالنسبة لجريمة نشر الأخبار الكاذبة، إذ تتحقق عناصر هذه الجريمة بعدم تمكّن الكاتب من إثبات صحة الأخبار الملفقة التي ساقها في مقاله المنشور بحق الشخص المستهدف وبإقامة الدليل على سوء نيته التي قد يكون من السهل إثباتها من خلال السياق العام لما ورد في المقال أو الخبر من عبارات مهينة واتهامات موجهة إلى الشخص المتضرر ومن خلال تكرار عبارات التحقير والاتهامات الباطلة والموجهة إليه في مقال ثان على سبيل المثال.
لذلك فإذا تبين أن العناصر الجرمية لأفعال القدح أو الذم أو الأخبار الكاذبة متوفرة في القضية، يتحتّم على محكمة المطبوعات الحكم على المدعى عليه بالعقوبات المنصوص عليها في أحكام قانون المطبوعات وبالتعويضات المدنية للشخص المتضرر عن الضرر المعنوي الذي لحق به جراء إحدى هذه الجرائم المرتكبة بحقه وبمسؤولية صاحب المطبوعة أو المنشورة المدنية بالتضامن عن الحقوق الشخصية ونفقات المحاكمة. وتكون بذلك محكمة المطبوعات مدعوة إلى أن تنزل بالمدعى عليه عقوبة الحبس من ثلاثة اشهر إلى ستة اشهر والغرامة المنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 104 تاريخ 30 حزيران سنة 1977 أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهي المادة التي تعاقب جريمة الخبر الكاذب المتعلق بالأشخاص الطبيعيين والذي لا يكون من شأنه تعكير السلام العام. وتكون، في حال توفر عناصر جريمة الذم في الفعل المدعى به، مدعوة إلى تطبيق العقوبات المنصوص عليها في المادة 20 التي تعاقب جريمة الذم والتي تنص على أنه " يعاقب على الذم المقترف بواسطة المطبوعات بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة وبالغرامة ... أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة التكرار لا يمكن أن تقل أي من العقوبتين عن حدها الأدنى". أما فيما خص جريمة القدح، فتطبق محكمة المطبوعات العقوبات المنصوص عليها في المادة 21 من القانون ذاته والتي تتلخص بالحبس من شهر إلى ستة اشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين وبالغرامة. وفي جميع الأحوال المنصوص عليها في المادتين 20 و 21 من قانون المطبوعات ( أي في حالتي القدح أو الذم الذي ينال من شخص لا يتمتع بصفة عامة)، على محكمة المطبوعات في تحديد الحقوق الشخصية أن تأخذ في الاعتبار الأضرار المادية والمعنوية مباشرة كانت أو غير مباشرة شرط أن تكون ناتجة من ارتكاب الجرم، ولها أن تقرر في الحكم الذي تصدره نشره مجانا وبكامله في العدد الأول ( الذي يصدر بعد تبليغ الحكم) من المطبوعة التي نشرت الخبر أو المقال الذي تضمن القدح أو الذم أو الأخبار الكاذبة وفي المكان ذاته الذي نشر فيه المقال موضوع الدعوى وبالأحرف ذاتها، ولها أيضا أن تقضي في الوقت نفسه بنشر الحكم في ثلاث صحف على نفقة المحكوم عليه عملا بأحكام المادة 32 من قانون المطبوعات.

لا خلاف على مفهوم مهنة الصحافة ورسالتها الشريفة التي تهدف، في الأنظمة الديمقراطية، إلى تفعيل حرية الرأي والتعبير، والى رفع شأن الوطن وحماية المصالح العليا وتعزيز الوحدة الوطنية والدفاع عن المبادئ الأساسية المعترف بها دوليا والحريات العامة، وهي إذا ما أدّت هذا الدور المقدّس تحترم شخص المواطن وحقوقه، وتؤلّف وسيلة فعّالة لتوعيته ولرفعة شأنه ولوضع الحقائق كما هي نصب عينيه بكل صدق وأمانة ومن دون تحيّز. طبعا من حق الصحافي أن يعلن رأيه بكل حرية وجرأة وأن يدافع عن وجهة نظره والأفكار التي يؤمن بها، ولكن عليه في المقابل أن يعتمد قواعد الموضوعية والرصانة والصدق والاستقلالية نبراسا في عمله وأساسا لنشاطه المهني، وأن لا يعتدي على حرمة الآخرين وشرفهم وسمعتهم، وأن يأخذ في الاعتبار مبدأ البراءة المفترضة. فحرصا على احترام القوانين والتقيد بشرف مهنة الصحافة وبمبادئها السامية، يفترض أن يوفّق الصحافي من جهة بين المعايير السياسية والقانونية، ومن جهة أخرى بين حريته المقدسة في التعبير وحق المواطن بحماية شرفه وسمعته، فيكون على هذا النحو دقيقا في اختيار عباراته وكلماته التي عليه أن يهذبها وأن يعطيها المعنى الذي يريد دون تجريح أو شتم أحد.

إلى ذلك، يقتضي أن تكون الصحافة، في بلد تعددي كلبنان، سلطة الكلمة التي تحمي اللبنانيين ضد أخطار الانقسام والتقاتل والتحريض الطائفي والمذهبي، والإنذار المنبّه من مغبّة التطرّف والعبث بأمن المواطن وبحقوقه، ومنبر الكلمة الحرة والصادقة، وصوت الحقيقة الصارخ في البرية.

ينبغي أن لا تنحرف الصحافة عن هذا المسار وأن لا تستعمل أداة للتحريض وللتضليل الجماهيري ولتنفيذ المخططات المشبوهة التي تهدف إلى تأليب اللبنانيين ضد بعضهم البعض والى ضرب الكيان اللبناني والوحدة الوطنية. هذا يعني أن تكون الصحافة صحافة حرة، بكل ما للكلمة من معنى، وغير مأجورة أو غير مرتهنة لهذه الجهة أو تلك، لهذه الدولة أو تلك، لهذه الطائفة أو تلك، لهذا الزعيم أو ذاك.

فليعِ إذن كل فرد دوره وواجباته ومسؤولياته، وليصن كل شخص لسانه لأن " لسانك إن صنته صانك وان خنته خانك"، وليتذكّر كل واحد منا قول أندريه موروا الذي جاء فيه: "الحرية والمسؤولية متلازمان كالتوأمين، لو انفصل أحدهما عن الآخر ماتا جميعا".

ليست هناك تعليقات: