١٦‏/١٢‏/٢٠٠٥

جبران لم يمت

جبران لم يمت

بقلم الدكتور دريد بشرّاوي

رحل جبران حاملا قلمه على كفنه المضرّج بدماء العنفوان والكرامة والعزة التي لا تقهر.
رحل جبران مع إشراق شمس الحرية ومع نسمات شرقية لامست محياه ورشفت من جسده كالفراشات عطر الاستشهاد لتنشره على مساحة الوطن وفي كل أرجائه ذخيرة وطنية لا تنضب.

رحل شهيد الكلمة الحرة ورائدها مرفوع الجبين، منصور اليمين، رحل في غفلة الحلم ليحلّق كطير الفنيق في سماء لبنان الصافية كصفاء ذهنه النيّر وفكره الخالد.

سقط جبران عن جواده سقوط الفارس المقدام الذي لا يحسب للموت أي حساب، هوى دفاعا عن لبنان الذي سكر بحبه حتى الثمالة وعن الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وكرامة اللبنانيين.

إن يد الغدر والإثم التي امتدت إلى جبران ورفاقه استطاعت أن تقتل جسده، لكنها لم ولن تستطيع أن تصرع وجوده لأنه بروحه وبأفكاره وبشجاعته اللامتناهية سيبقى حيا فينا، في كل لبناني شريف مناضل ومحب للحرية.
سيبقى فكر جبران ينبض وينضح بالعطاء وبالوفاء في كل كلمة تكتب في صحيفة النهار، صحيفة الأحرار والشرفاء، صحيفة الدفاع عن الحريات والديمقراطية والتعددية الفكرية، الصحيفة التي لم تبخل بأن تقدّم الغالي والنفيس فداء عن لبنان وعن سيادته واستقلاله.

" النهار" لن تتحول إلى ليل حالك كما خطط القاتل الجبان، بل ستبقى الضوء المنير في دروب الحق والحقيقة، وستبقى تعمل في وضح النهار دفاعا عن حرية الكلمة وعن حقوق اللبنانيين الأساسية وعن كرامة الإنسان. ستكمل " النهار" المسيرة على خطى جبران وستنشر نور الحرية وفكره في كل مكان وزمان وسيتحول هذا النور إلى شعلة أبدية لا تنطفئ. هم وحدهم قتلة جبران الجبناء من يتستّر بظلمة الليل المدلهم كالخفافيش وبعتمة الإرهاب الحاقد والجبان. هم وحدهم من يختبئ في جحور الخوف من الحقيقة، ذلك أنهم أعداء الحق والكلمة الحرة التي ترعبهم.

أخافهم قلم جبران الحر، خافوا من كلمات الحق المدوية التي كان يكتبها وينطق بها بكل شجاعة وإقدام، خافوا من طلته البهية الشامخة كأرز لبنان الأبي ومن تصميمه وإيمانه اللامحدود بوطن واحد وموحّد، فقتلوا جسده بطريقة جبانة ووحشية تدل على مدى بربر يتهم ومعاداتهم للإنسانية.

جبران لم يمت وستبقى روحه الطاهرة ترفرف فوق ربى لبنان تعانق الياسمين والرياحين والأقحوان إلى الأبد. ستحيا نفسه في جنة الخلد لأنه أصبح قديسا من قديسي لبنان، لأنه مات فداء عن كل لبناني يحب وطنه ويعشق الحرية ولأنه قدّم نفسه قربانا على مذبح الوحدة الوطنية والقرار اللبناني الحر.

نم يا شهيد الكلمة الحرة قرير العين، فنحن نعاهدك يا أخي أننا على العهد باقون، لن نخاف ولن يتزعزع إيماننا بالمسيرة التي قدت، مسيرة الحرية وتوحيد اللبنانيين والعيش المشترك والدفاع عن سيادة واستقلال لبنان. سنبقى نقاوم حتى الرمق الأخير كل أساليب الترهيب والديكتاتورية ومحاولات تحويل النظام اللبناني إلى نظام " توتاليتاري". لن نخشى الموت، وليعلم القتلة الجبناء أننا على خطى جبران سنكمل المسيرة، وعلى هدى روح هذا المعلّم العظيم سندافع عن الحرية التي استشهد من أجلها.

لن أقول لك وداعا يا أخي جبران لأنك باق في مخيلتي، في كياني، في أفكاري وفي كل كلمة سيخطها قلمي دفاعا عن الحرية والديمقراطية.
أنت معنا طالما حلمنا بلبنان قوي موحد سيد حر ومستقل وكلما تنشّقنا نسيم لبنان الذي تبلل بعطر شهادتك.
أنت معنا في كل صبيحة تتمايل فيها نسمات شرقية آتية من وطن الأرز والعنبر والبخور. نرى محيّاك مع بزوغ كل فجر في عرف ديك النهار، ونحس بوجودك في كل كلمة نقرأها في صحيفة النهار، صحيفة الحرية والعنفوان.
ستبقى الشعاع الذي يحمل معه الحرية وبصيص الأمل بغد حالم وأفضل لبلدي لبنان.
لن أقول رحم الله جبران وإنما ليرحم ألعلي القدير قتلة جبران الجبناء وليرأف بعقولهم وبنفوسهم الميتة وبضمائرهم الخالية من الإنسانية علهم يتعظون ويرتدون.
هي نفس جبران الأبية والخالدة التي توزّع رحمة وشفقة على القاتلين الغاشمين، على الحاقدين الرعاديد الذين لا يعرفون من الإنسانية سوى اسمها الذي يلقي الرعب في نفوسهم الخاسئة. هو جبران المنتصر باسم الحق والكلمة، باسم قلمه الحر الذي ستبقى كلماته خالدة مدوية ومحفورة في عقولنا وضمائرنا وفي سجل أمجاد لبنان، حيث لا تضمحل.
فلنفرح ونهلل لأن جبران لم يمت. ولنردد:

نقسم بالله العظيم
مسحيين ومسلمين
أن نبقى موحدين
أن نلاحق المجرمين
أن نقاوم المحتلين
إلى أبد الآبدين
دفاعا عن لبنان العظيم