١٨‏/٣‏/٢٠٠٩

مرور الزمن على العقوبات في القانون اللبناني


مرور الزمن على العقوبات في القانون اللبناني
مرور الزمن على العقوبات إجراء قانوني يحول دون تنفيذ العقوبات وتدابير الاحتراز بالاستناد إلى عامل نسيان المجتمع للجريمة المرتكبة والى تلاشي خطورة هذه الجريمة بفعل المدد الزمنية الطويلة.
- مرور الزمن على العقوبات الجنائية.
مدة مرور الزمن على عقوبة الإعدام والعقوبات الجنائية المؤبدة خمس وعشرون سنة.
مدة مرور الزمن على العقوبات الجنائية المؤقتة ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة ولا يمكن أن تجاوز عشرين سنة أو تنقص عشر سنوات.
مدة مرور الزمن على أية عقوبة جنائية أخرى عشر سنوات وتطبق هذه المدة أيضا على اية عقوبة جناحية قضي بها من أجل جناية.
يجري مرور الزمن من تاريخ الحكم إذا صدر غيابيا ومن تاريخ انبرامه إذا صدر وجاهيا ولم يكن المحكوم عليه موقوفا والا من يوم تملصه من التنفيذ. إذا تملّص المحكوم عليه من تنفيذ عقوبة مانعة أو مقيدة للحرية اسقط نصف مدة العقوبة التي نفّذت فيه من مدة مرور الزمن.
مرور الزمن على العقوبات الجناحية.
مدة مرور الزمن على العقوبات الجناحية ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة ولا يمكن أن تجاوز عشر سنوات وتنقص عن خمس سنوات. ومدة مرور الزمن على أي عقوبة جناحية أخرى خمس سنوات. تجري مدة مرور الزمن:
في الحكم الوجاهي من تاريخ صدوره اذا كان في الدرجة الأخيرة، ومن تاريخ انبرامه إذا كان في الدرجة الأولى.
وفي الحكم الغيابي منذ تبليغ المحكوم عليه بذاته أو في محل إقامته.
وإذا كان المحكوم عليه موقوفا فمن يوم تفلته من التنفيذ، وفي هذه الحالة يسقط نصف مدة العقوبة التي نفّذت فيه من مدة مرور الزمن.
مرور الزمن على عقوبات المخالفات.
مدة مرور الزمن على عقوبات المخالفات سنتان تبدآن على نحو ما ذكر في ما خص مرور الزمن على العقوبات الجناحية.
مرور الزمن على التدابير الاحترازية.
مدة مرور الزمن على التدابير الاحترازية ثلاث سنوات. لا يبدأ مرور الزمن على هذه التدابير الا منذ اليوم الذي أصبح فيه التدبير الاحترازي نافذا عملا بالمادتين 115 و 116 من قانون العقوبات أو بعد مرور الزمن على العقوبة التي كان هذا التدبير ملازما لها، وكل ذلم ما لم يصدر عن القاضي قبل انقضاء سبع سنوات قرار يثبت أن المحكوم عليه لم يزل خطرا على السلامة العامة، ففي هذه الحالة يأمر بأن يصار إلى تنفيذ التدبير الاحترازي.
احتساب مدة مرور الزمن.
يحسب مرور الزمن من يوم إلى مثله من دون اليوم الأول. يوقف مرور الزمن كل حائل قانوني أو مادي حال دون تنفيذ العقوبة أو التدبير الاحترازي ولم ينشأ عن ارادة المحكوم عليه. ويقطع مرور الزمن:
حضور المحكوم عليه أو أي عمل تجريه السلطة المختصة بغية التنفيذ.
ارتكاب المحكوم عليه جريمة أخرى معادلة للجريمة التي أوجبت العقوبة أو التدبير أو جريمة أكثر خطورة.

٩‏/٣‏/٢٠٠٩

Le rôle du juge dans l'administration de la preuve


Le rôle du juge dans l’administration de la preuve
La question de la preuve est essentielle dans le contentieux juridictionnel et plus particulièrement dans le contentieux pénal. Certains s’accordent même à dire que les règles qui régissent la preuve sont « le miroir » de la société, laquelle est en quête d’un éternel équilibre entre la recherche de sa protection et l’atteinte que cette dernière risque de porter aux libertés individuelles.
La preuve, dans son acception courante, est ce qui montre la vérité d’une proposition ou l’existence d’un fait ou d’un acte dans les formes admises par la loi. En matière pénale, cette définition doit être complétée, puisque la preuve consiste à établir d’une part l’existence d’un fait réprimé par la loi et d’autre part l’imputation de ce fait à une personne ayant eu l’intention de commettre un tel fait.
Le terme de preuve englobe aussi tous les moyens permettant de prouver la véracité ou de démontrer la fausseté d’un point. Il ne vise pas les arguments qui sont présentés au nom des parties afin de convaincre le juge d’aborder un certain point de vue quant aux éléments de preuve fournis.
Le système probatoire français s’organise autour de la preuve libre et de la preuve légale. La première permet de prouver par tous moyens les faits juridiques et les transactions civiles d’un montant inférieur à 1500 euros ainsi que les transactions entre commerçants. La preuve libre est également la règle en droit pénal et en droit administratif. En telles hypothèses, le juge apprécie la confiance à accorder aux moyens de preuve débattus devant lui. Dans la seconde, les moyens de preuve sont imposés par la loi.
En matière civile, le juge n’a qu’un rôle passif, c’est-à-dire qu’il n’a pas à rechercher la preuve de ce que chacun prétend. Il ne doit se prononcer que qu’en fonction des preuves produites. L’établissement de la preuve en matière civile se fait donc essentiellement au moyen de preuves présentés par les parties en différend ou des mesures d’instruction décidées par le juge. Par contre, en matière pénale, le juge a un rôle actif. En effet, il doit rassembler les preuves afin de prouver la culpabilité de l’auteur d’une infraction.
En tout état de cause, le juge doit réagir aux différents éléments de preuve présentés par les parties. Or, pour pouvoir parvenir à la réalité et la vérité, il est encore nécessaire d’avoir une meilleure collaboration entre le juge et les parties et entre le juge et les tiers ; il faut également des dispositions sur l’administration de la preuve plus rigides que celles qui sont en vigueur actuellement, plus complètes et plus cohérentes, et un statut de la déontologie du juge. C’est pourquoi, plusieurs questions et problèmes importants restent en suspens au sujet du rôle du juge dans l’administration de la preuve tant en droit interne, qu’en droits international et européen : le juge peut-il apprécier librement la loyauté des moyens de preuve fournis ? Doit-il être lié par les conclusions d’une expertise ? Peut-il recevoir seulement les éléments de preuve qu’il juge crédibles ou digne de foi ? Est-il lié par les règles légales ou techniques de présentation de la preuve ? Peut-il se référer toujours à son intime conviction ? Doit-il appliquer les conventions sur la preuve valablement formées entre les parties ? C’est à toutes ces questions qu’il serait utile de répondre en procédant à une étude comparative du droit français et des droits de quelques pays du Moyen-Orient.
Doreid BECHERAOUI

٥‏/٣‏/٢٠٠٩

عقوبة الاعدام بين مؤيد ومعارض


عقوبة الإعدام بين مؤيد ومعارض
بقلم الدكتور دريد بشرّاوي
أستاذ محاضر في القوانين الجزائية في جامعة روبير شومان- فرنسا
محام بالاستئناف
نفذت عقوبة الإعدام في شهر شباط سنة 2004 بثلاثة محكومين لبنانيين تم اختيارهم وفقا لمعايير ذات صلة ليس فقط بطبيعة الجرائم البشعة التي ارتكبوها وإنما أيضا بانتمائهم الطائفي حفاظا على قاعدة المساواة بين الطوائف حتى في لعبة الموت. ولهذا فان النقاش يبقى قائما حول شرعية وجدوى هذه العقوبة غير العادية بين مؤيد ومعارض.
وكنا قد أبدينا بتاريخ الثاني عشر من شهر شباط ( فبراير) 2004 معارضتنا الشديدة لتطبيق العقوبة المذكورة لأسباب قانونية واجتماعية فندّناها تفصيليا في صحيفة النهار الغرّاء. ولكن، وبعد أن طبّقت للأسف عقوبة الموت بحق الأشخاص المذكورين أعلاه، قرأنا في الصحيفة ذاتها لأحد القانونيين بتاريخ 17/1/2004 تعليقا دافع فيه بشدة عن شرعية هذه العقوبة وعن جدواها مؤكدا من جهة على انه لا يجوز الدفع بالاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان لمنع تطبيق عقوبة الإعدام لتعارض ذلك مع مبدأ سيادة الدولة على إقليمها ولأن هذه الاتفاقات والمواثيق لا تتعارض مع العمل بهذه العقوبة، ومن جهة ثانية على جدوى هذه العقوبة وفعاليتها الكامنة في حماية النظام العام وأمن المجتمع.
ومساهمة منا في إذكاء الحوار العلمي المتعلق بهذه القضية المهمة وفي اطلاع الرأي العام اللبناني على حقيقة عقوبة الإعدام ومدى فعاليتها، يهمنا أن نبحث في تعارض أو عدم تعارض الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان مع تطبيق العقوبة المذكورة ومع مبدأ سيادة الدولة على أراضيها قبل أن نعرض لمسألة فائدة هذه العقوبة وفعاليتها في ردع الإجرام.
أولا : في تعارض أو عدم تعارض الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان مع تطبيق عقوبة الإعدام ومع مبدأ سيادة الدولة على إقليمها.
أ- تعارض أو عدم تعارض الاتفاقات الدولية مع تطبيق عقوبة الإعدام.
وفقا للرأي المؤيد لعقوبة الإعدام والمشار إليه أعلاه، إن الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان ولا سيما منها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 " نصت فعلا على حق الإنسان في الحياة كالمادة السادسة من هذا العهد الأخير، ولكن هذه المادة لم تلغ عقوبة الإعدام بل نصت فحسب على وجوب حماية القانون لهذا الحق، وعلى أنه لا يجوز حرمان أحد حياته تعسفا. أي أن المجال بقي مفتوحا أمام تطبيق عقوبة الإعدام من دون تعسف وفقا لمبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الفعل المرتكب وجسامته".
وإزاء هذا السند القانوني المدلى به لا بد أن نذكّر بأنه إذا كانت المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لا تنص صراحة على تحظير عقوبة الإعدام، فلا يجوز الجزم بان هذه المادة تفتح الباب صراحة أمام تطبيق هذه العقوبة. فالتفسير الذي يعطى لنص المادة المذكورة لا يمكن إلا أن يندرج في إطار حماية الحق في الحياة ومنع التعرّض له وليس في إطار تبرير القضاء على هذا الحق، إذ أن الاتفاقات والمواثيق الدولية المذكورة أعلاه تهدف في أول ما تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وليس إلى فتح المجال أمام انتهاك هذه الحقوق. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فيقتضي الإحالة على الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان لعام 1948 الذي التزم لبنان صراحة احترام بنوده في مقدمة دستوره والذي نص بشكل لا لبس فيه في المادة الثالثة منه على أن " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". ويلزم الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان الدول المصادقة عليه بضرورة احترام الحقوق المنصوص عليها فيه وأهمها الحق في الحياة من دون اللجوء إلى تفسيرات وتأويلات تهدف إلى القضاء على هذه الحقوق. فالمادة 30 ( الأخيرة) منه نصت صراحة على أنه " ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على انه يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه". وهذا يعني أن على الدولة المعنية أن تحمي حق الفرد في الحياة وان لا تقوم بأي إجراء أو عمل يؤدي إلى إزهاق حياة إنسان ما حتى ولو كان مجرما.
أضف إلى ذلك أن القرارات والتوصيات الدولية ولا سيما القرار الرقم 2857/ XXVI الصادر بتاريخ 20 كانون الأول سنة 1971 عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والقراران الصادران عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بتاريخ 20 أيار سنة 1981 و 9 أيار سنة 1979 ، والقرار الرقم 727 الصادر بتاريخ 22 نيسان سنة 1980 عن المجلس الأوروبي والتوصية الرقم 891 الصادرة عن البرلمان الأوروبي بتاريخ 18 حزيران سنة 1981، تقيم كلها مكانا خاصا للحق في الحياة وتحرّم صراحة المساس به حتى ولو كان الشخص المتهم مجرما حقيقيا. وهذا لاقتناع المجتمع الدولي بأنه لا يجوز الرد على القتل بالقتل واعتماد سياسة الانتقام والثار من قبل السلطات العامة بدلا من سياسة مواجهة أسباب الإجرام والقضاء عليها وسياسة إصلاح المجرم ومعاقبته بالحبس المؤبد إذا كان غير قابل للاعتدال أو للإصلاح. ويذكر أن البروتوكول الرقم 6 المضاف على الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان بتاريخ 28/4/1983 يلغي صراحة عقوبة الإعدام بمادته الأولى التي تحظّر على الدول الموقعة على الاتفاق المذكور الحكم بهذه العقوبة أو تطبيقها. ولهذا لا يصح القول أن الاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان تبقي الباب مفتوحا أمام تطبيق عقوبة الإعدام، والدليل على ذلك هو ردة الفعل الدولية الساخطة على الدولة اللبنانية جراء تنفيذه الإعدام بحق ثلاثة من المحكومين بهذه العقوبة.
ب- تعارض أو عدم تعارض الاتفاقات الدولية مع مبدأ سيادة الدولة على إقليمها.
جاء على صعيد آخر في الرأي المؤيد لعقوبة الإعدام والمذكور أعلاه أن الدفع بالاتفاقات والمعاهدات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام يصطدم بمبدأ سيادة الدولة على إقليمها على أساس أن هذه الاتفاقات لا يمكن أن تكون مصدرا للتجريم وللعقاب. ثم يضيف انه " يمكن أن تنص المعاهدات الدولية على إباحة أفعال مجرّمة، ولكن لا يمكنها أن تحدد عقوبة مختلفة لهذه الأفعال وهي مسالة من شان الدولة وحدها".
إن هذا التعليل لا يتميز بالدقة القانونية وذلك للأسباب التالية:
إن الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تنص على تجريم أفعال معينة وعلى معاقبتها، والمصادق عليها أصولا من قبل الدولة المعنية، تلزم الدولة المذكورة ويتوجب حينئذ على هذه الأخيرة العمل على جعل تشريعها الوطني متطابقا مع نص الاتفاق أو المعاهدة المصادق عليها، مما يعني، في هذه الحال، أن الاتفاقات أو المواثيق الدولية تصبح مصدرا مهما للتجريم وللعقاب. وعلى هذا الأساس، يقتضي أن تتطابق نصوص القوانين الوطنية لكل دولة موقعة على الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان أو على الاتفاقات الدولية الأخرى المعنية بحماية حقوق الإنسان مع المبادئ والحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقات. وذلك لأن على الدولة المعنية احترام التزاماتها الدولية ولأن الاتفاقات الدولية المصادق عليها أصولا تتمتع بقوة إلزامية تعلو على قوة القوانين الداخلية وفق ما جاء في المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني. فكيف يمكن والحالة هذه الجزم بأنه لا يمكن أن تكون الاتفاقات والمعاهدات الدولية مصدرا للتجريم وللعقاب؟
لا تعارض بين تطبيق الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وبين مبدأ سيادة الدولة على إقليمها، إنما على العكس من ذلك فان تطبيق عقوبة الإعدام في لبنان يدل دلالة واضحة على أن الدولة اللبنانية أخلّت بالتزاماتها الدولية لهذه الجهة وبدأت نتيجة لذلك تفقد مصداقيتها دوليا على صعيد احترام حقوق الإنسان. فهي تلتزم في مقدمة الدستور تطبيق ليس فقط الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان وإنما أيضا كل مواثيق الأمم المتحدة في جميع الحقول والمجالات دون استثناء( الفقرة ب من مقدمة الدستور). ولهذا يكون عليها أن تكيّف تشريعها الداخلي مع هذه المواثيق والعهود الدولية كي تتطابق معها وإلا فقدت مصداقيتها واعتبرت خارجة على الشرعية الدولية. فعندما توقع الدولة على مواثيق الأمم المتحدة وعلى الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وتصادق عليها، تتعهد بتطبيقها على إقليمها الوطني. ولذلك لا يمكن أن يعتبر تطبيق الاتفاقات والمواثيق والعهود الدولية التي تحظّر عقوبة الإعدام مخالفة أو انتهاكا لمبدأ سيادة الدولة على أراضيها، بل أن عدم احترام هذه الاتفاقات والمواثيق يعد إخلالا بالالتزامات الدولية التي تقع على عاتقها. أضف إلى ذلك أن الحكم بعقوبة الإعدام يعتبر بحد ذاته مناقضا لأحكام الدستور اللبناني بالنظر إلى أن الاتفاقات الدولية المشار إليها أعلاه والتي تحرّم عقوبة الإعدام أضحت جزءا لا يتجرأ من مقدمة الدستور وبالتالي فان النطق بهذه العقوبة يمكن وضعه في خانة المخالفات الدستورية.
يقول صاحب الرأي المؤيد لعقوبة الإعدام انه " يمكن أن تنص المعاهدات الدولية على إباحة أفعال مجرّمة يعاقب عليها بالإعدام، ولكن لا يمكنها أن تحدد عقوبة مختلفة لهذه الأفعال وهي مسألة من شان الدولة وحدها".
لا بد لرجل القانون إلا أن يشير فورا إلى عدم دقة وصحة هذا التعليل. فكيف يمكن لاتفاق دولي ما أو لمعاهدة ما أن تبيح أفعال جرمية يعاقب عليها التشريع الجزائي في بلد معين بالإعدام؟ وهل لصاحب هذا الرأي الذي نحترم أن يدلّنا على اتفاق دولي واحد معني بحماية حقوق الإنسان أم لا يبيح القتل مثلا أو الإرهاب أو الجنايات ضد الإنسانية أو فعل الإبادة الجماعية أو أي فعل خطر آخر قد يستحق عقوبة الإعدام؟ هذا من جهة، أما من جهة ثانية فما هي الفائدة من القول أن المعاهدة التي تبيح فعلا جرميا معاقبا عليه بالإعدام لا يمكنها أن تحدد له عقوبة مختلفة؟ هذا يدل على التناقض في التعليل المعتمد، إذ لا يمكن النص على عقوبة مختلفة عندما يبيح الاتفاق( على سبيل الافتراض) فعلا جرميا كان يعاقب عليه تشريع دولة ما بالإعدام. فكيف يمكن أن نبيح فعلا ما وان نعاقب على ارتكابه في آن واحد؟ هذا مستحيل.
أما لجهة الجدوى أو عدم الجدوى من عقوبة الإعدام، فهذا موضوع آخر يقتضي التطرق إليه بإمعان وتروي.
ثانيا: في مدى فعالية وجدوى عقوبة الإعدام.
ما زالت مسالة فعالية عقوبة الإعدام وضرورتها تثير الجدل الحاد بين رجال القانون من جهة وبين الناس العاديين من جهة أخرى. فصاحب الرأي الذي أشرنا إليه أعلاه والمؤيد لعقوبة الإعدام يجزم بضرورة تطبيق هذه العقوبة لسبب فعاليتها في ردع الإجرام وفي حماية أمن المجتمع والنظام العام. وهو يشير، إضافة إلى ذلك، إلى أن" نسبة الجريمة ثابتة في الدول التي تطبق عقوبة الإعدام، مما يدل على فاعلية سياسة الردع في حصر نطاق هذه الجريمة". ثم أنه يزيد على هذه الحجج سببا مبررا آخر لعقوبة الإعدام ومفاده أنه لا يمكن " لأي عدالة أن تحرّم على المجتمع إنزال الجزاء المناسب بالقتلة الظالمين بحجة أن الإنسان لا يحل له قتل أخيه الإنسان في حين يقتل هذا الإنسان أخيه تعسفا من دون رادع حقيقي يتناسب مع خطورة فعله الإجرامي سوى خشيته من الانتقام الفردي والعدالة التي سيطبقها الأفراد بسبب استقالة الدولة من تطبيق مبدأ العدالة في أخطر الجرائم بحق الفرد والمجتمع".
يتوجب مناقشة الأسس التي تقوم عليها هذه التبريرات والحجج المقدمة دفاعا عن عقوبة الإعدام توصلا إلى إثبات عدم دقتها وانعدام الجدوى والفائدة منها. فبالإضافة إلى أن عقوبة الإعدام منافية للحق في الحياة وللكرامة الإنسانية وللديانات السماوية التي تحرّم القتل ولمبادئ التسامح والغفران والابتعاد عن منطق الحقد والثار، فهي تعتبر خطيرة ومعدومة الفائدة وغير ضرورية، وذلك للأسباب التالية:
عقوبة عاجزة عن ردع الإجرام:
إن الإحصاءات دلت بصورة قاطعة على أن الإجرام لم تخف وطأته ولم تتراجع نسبة استشرائه في البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام. أضف إلى ذلك أن الإحصاءات ذاتها أثبتت أن نسبة الإجرام لم ترتفع في البلدان التي ألغت تشريعاتها الجزائية عقوبة الإعدام( كالسويد والدانمرك والنروج وغيرها) بالمقارنة مع النسبة ذاتها في البلدان التي ما زالت تطبق هذه العقوبة كبعض الولايات الأميركية ( ولاية تكساس على سبيل المثال). والدليل الحي على هذا الواقع يمكن معاينته في الوضع اللبناني. فعقوبة الإعدام التي طبقت قبل سبع سنوات لم تمنع وللأسف وقوع جريمة الأونيسكو البشعة ولا جريمة اغتيال القضاة الأربعة الشنيعة. وهي لم تمنع من قبل ارتكاب الكثير من المجازر البشعة والجرائم الفظيعة بحق المواطنين اللبنانيين والتي شهد الكل مسلسلاتها وعلى مدار سنوات الحرب( سيارات مفخخة وقتل على الهوية وذبح وتنكيل ...) وكلها جرائم ضد الإنسانية تستحق أقسى العقوبات. وحتى في اليوم ذاته الذي نفذت فيه عقوبة الإعدام بحق المحكومين زعتر وحماده ومنصور ارتكبت جريمة فظيعة بحق الشاب جلبير مارون التولاني الذي وجد مقتولا في برميل للنفايات في طرابلس. فهل نحن بحاجة بعد إلى دليل مقنع أكثر من هذه الواقعة لإثبات مدى فشل عقوبة الإعدام في تحقيق سياسة الزجر المطلوبة لصد المجرم ولردعه؟.
وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على إفلاس عقوبة الإعدام وعلى عجزها في تحقيق الغاية المرجوة منها ألا وهي ردع الإجرام وتأمين سلامة الفرد والمجتمع على السواء.
عقوبة الإعدام دليل على عجز السلطات المختصة في مواجهة أسباب الإجرام والقضاء عليها.
إن عقوبة الإعدام الكامنة في الرد على القتل بالقتل كوسيلة شرعية لردع الإجرام تدل على عجز السلطات المختصة في مواجهة أسباب الإجرام وعلى عدم قدرتها على القضاء على أسبابه. فقبل أن تقتص السلطات المعنية من فاعل الجريمة، يقتضي أن تفتش عن الأسباب الشخصية والاجتماعية والعائلية التي دفعته إلى ارتكاب جريمته وان تتصدى الدولة لها معتمدة سياسة الدفاع الاجتماعي عن أمن المجتمع بمعالجة البطالة ومحاربة الفساد والمفسدين وبتحسين الوضع الصحي والاجتماعي للفرد وبرفع مستواه المعيشي وبتأمين الشروط اللازمة واليومية لحياة طبيعية للإنسان في لبنان من عمل وضمان اجتماعي راق وحرية رأي وسلامة جسدية بالتنقل على الطرقات وغيرها من الشروط اللازمة لحياة كريمة للفرد. مما يساعد على مواجهة أسباب الإجرام والقضاء عليها في المجتمع اللبناني.
ولكن هذا لا يعني إعفاء المجرم من العقاب، بل على العكس من ذلك. فالعقاب الصحيح والمتناسب مع خطورة الجريمة يبقى ضروريا كأداة ليس لردع الإجرام فحسب وإنما أيضا لإصلاح المجرمين ولإعادة تأهيلهم بتعليمهم وبتوعيتهم وبتشغيلهم. أما إذا كانت الجريمة المرتكبة من فئة الجرائم الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع وتهز مشاعره وإذا كان المجرم من الأشخاص الخطيرين الذين لا يمكن إصلاحهم وحماية المجتمع منهم، فلا بديل في هذه الحال عن عقوبة الحبس المؤبد في سبيل حماية النظام العام والاستقرار في المجتمع على أن تكون عقوبة الحرمان من الحرية لمدى الحياة فعلية أي أن يبقى المجرم طوال حياته في السجن( من دون أن يحق له الانتفاع من أي عفو كان) حيث لا يعود بإمكانه إلحاق الضرر والأذى بالمجتمع وحيث يدفع ثمن ما ارتكبته يداه من إثم وأفعال جرمية خطرة.
ج- عقوبة الإعدام قد تقضي على إنسان بريء بفعل الخطأ القضائي.
لا يمكن التراجع عن عقوبة الإعدام بعد تنفيذها أو إصلاح الخطأ الحاصل في الحكم الذي قضى بها أو تدارك مفاعيله لكونه يقضي على حياة المحكوم عليه. مما يعني أنه في حال الحكم بها تحت وطأة خطأ قضائي، لا مجال للعودة إلى الوراء لإلغاء نتائجها ويقضي المجتمع بذلك على إنسان بريء. وهذا ما يظهر مدى خطورة هذه العقوبة المقررة من قبل قاض معرّض للوقوع في الخطأ كأي إنسان آخر. أضف إلى ذلك أن أحكام المجلس العدلي الذي يمكنه النطق بعقوبة الإعدام هي غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة. لذلك وفي حال قضى هذا المجلس بعقوبة الإعدام ضد المدعى عليه، فلا يمكن للمحكوم عليه الطعن في الحكم الصادر ضده. وهذا يخالف بشكل فاضح الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان ولا سيما منها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي جاء في المادة 14/5 منه انه " لكل محكوم بإحدى الجرائم الحق في إعادة النظر بالحكم والعقوبة بواسطة محكمة أعلى بموجب القانون". فكيف يمكن والحالة هذه التسليم بتطبيق عقوبة الإعدام إذا كان الحكم الذي قضى بها لا يقبل أي طري من طرق الطعن القانونية؟
من جهة أخرى، وعملا بقانون القضاء العسكري الصادر بتاريخ 13 نيسان سنة 1968 يعود للمحاكم العسكرية الدائمة ( في وقت السلم) اختصاص النظر في العديد من الجرائم المرتكبة على العسكريين أو التي تطال من المؤسسات العسكرية أو المرتكبة من العسكريين وفي الجرائم التي تطال من أمن الدولة الداخلي أو الخارجي. ويعود لهذه المحاكم حق النطق بعقوبة الإعدام. ولكن ومن مراجعة نصوص القانون المذكور أعلاه يتبيّن أن طريقة تشكيل المحاكم العسكرية ( محاكم مختلطة أي مؤلفة من ضباط في الجيش ومن قضاة عدليين) تناقض مبدأ إجراء المحاكمات أمام مراجع قضائية نزيهة وغير متحيزة ومستقلة تمام الاستقلال عن السلطة السياسية. أضف إلى ذلك أن الإجراءات الخاصة المتبعة في التحقيقات وفي المحاكمة أمام قضاء الحكم تحمل اعتداء صارخا على حقوق الدفاع المكرسة صراحة في الاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.
لذلك لا يمكن الاطمئنان في ظل إجراءات ومحاكمات مماثلة إلى عدالة عقوبة الإعدام وصحتها.
د - عقوبة الإعدام عقوبة قائمة على سياسة انتقائية في لبنان.
إذا كان الردع العادل هو المطلوب من وراء عقوبة الإعدام وليس الثأر من المجرم، وإذا سلّمنا جدلا بصوابية هذا المنطق، فالمبدأ يقضي بان تطبق عقوبة الإعدام بحق كل من ارتكب فعلا جرميا يستحق هذه العقوبة وفقا لأحكام قانون العقوبات. وهنا لا بد من رفض السياسة الانتقائية المتبعة في الحكم بعقوبة الإعدام وفي عملية تنفيذ هذه العقوبة. فهناك العديد من الأشخاص الذين يستحقون الملاحقة والمحاكمة والحكم عليهم بعقوبات قاسية نظرا لما اقترفته أيديهم من جرائم شنيعة، لكنهم لا زالوا طليقين يتمتعون بملذات الحياة وبترفها دون حساب ولا رقيب. فلماذا لم يلق القبض على قتلة القضاة ليحاكموا؟ ولماذا لم يحاكموا حتى اليوم غيابيا؟ أليست الجريمة التي ارتكبوها شنيعة وخطيرة لكونها نالت ليس فقط من أمن المجتمع وإنما أيضا من هيبة الدولة والقضاء على السواء؟ لماذا لم يلق القبض على من كان يذرع الموت في كل مكان من الإقليم اللبناني بواسطة وسائل مدمرة وشنيعة معروفة؟ لماذا لم يتم حتى اليوم توقيف قتلة الشهيد رمزي عيراني والحكم عليهم بالموت؟ لماذا لم تتبع العدالة حيال هؤلاء سياسة ردع الإجرام حماية لأمن المجتمع اللبناني واستقراره؟ لماذا نفذت عقوبة الإعدام انتقائيا بعد أن كان قد تم العمل على توقيف تطبيق هذه العقوبة منذ سبع سنوات؟ أسئلة وأسئلة يطرحها اللبناني على الملأ ولا يجد من يعطيه الجواب عنها .
هذا يدل على أن سياسة ردع الإجرام التي تطلقها الدولة اليوم لتبرير القضاء على حياة المحكوم عليهم بالإعدام، هي سياسة صورية لا تهدف أساسا إلى استئصال جذور هذا الإجرام لأن الجريمة لا يقضى على أسبابها ومسبباتها بالردع والثار وإنما باتباع سياسة إصلاحية وعلمية واجتماعية صحيحة تؤدي إلى القضاء على هذه الأسباب كما أشرنا إلى ذلك أعلاه.
يبقى أن نتوجّه إلى ذوي الضحايا وأن نتفهم لوعتهم على فقدان عزيز غال. صحيح أنه لا يمكن لأي كان أن يتحسس مدى الألم الذي يعصر أفئدة أهالي ضحايا الإجرام في لبنان. وصحيح أيضا أنه من غير العدل أن يصابوا بفقدان قريب لهم أو حبيب أو ولد أو شقيق أو أب أو أم، ومن حقهم أن تغمر النقمة قلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم ضد المجرم القاتل. ولكن الكل يعلم أن قتل القاتل لا يعوّض على أهل الضحية خسارتهم الجسيمة. فهذه الخسارة لا تعوّض. ولو قتل القاتل لما بلسم ذلك الجراح ولا أعاد لأهل الضحية عزيزا مضى في لحظة غدر وسوء قاتلة. ولهذا لا يمكن أن نجعل من مشاعر أهل الضحايا أساسا للتشريع الجزائي في لبنان، لما في ذلك من مخالفة لقواعد التشريع المتحضرة والنابذة لفكرتي الثار والانتقام.
الغفران أو التسامح هو وحده العزاء وليس الثأر أو الانتقام. الغفران هو وحده الذي يعيد للإنسان راحة النفس لا الثأر ولا التشفي.
أهل الضحية هم ضحايا لأنهم يتألمون وسيتألمون مدى الحياة لفقدان حبيب غال. ولكننا بقتل القاتل نعمل على إيجاد ضحايا جدد يتألمون هم أيضا بدورهم ليس فقط لفقدان المحكوم عليهم بالإعدام وإنما أيضا لسبب ما يلحق بسمعتهم من مس أو أذى يصيبهم في الصميم وفي الكرامة ولسبب المعاناة التي سيلقونها تكفيرا عن جريمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
فلنوقف إذن القتل والقتل المضاد، ولنعمل على منع وقوع الضحايا من كل صوب وحدب، ولنخفف من آلام أهالي الضحايا الذين ألمّ بهم المصاب. ولنتذكّر ما جاء في الكتاب المقدس " فان تغفروا للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي، وان لم تغفروا للناس لا يغفر أبوكم زلاتكم". ( متى 6 : 14- 15 ). ولنتذكّر أيضا ما قاله النبي محمد ( صلعم): " من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".
دريد بشرّاوي