٢٩‏/٥‏/٢٠٠٥

أنت حبيبتي

تعالوا نبتعد ولو لفترة قصيرة عن هموم السياسة والقانون والاقتصاد والهموم والمشاكل اليومية لنفرح القلب والمشاعر بكم من الأبيات الشعرية الغزلية وغير الموزونة طبعا:

       أنتِ حبيبتي

أنتِ امرأة غيّرتِ تاريخ حياتي
وحبكِ الغالي أضحى كتاب آياتي
أنتِ امرأة لا أحسب معها ساعاتي
وأنتِ الحب، أنت الفرح الذي يملأ حياتي

أنت امرأة لست كباقي النساءِ
أنتِ دفء قلبي في برد المساءِ
أنتِ شمس تشع في أفقِ السماءِ
أنتِ عطر الورود في قلب الهواءِ

أتوق إليكِ، أتوق إلى بسماتكِ
أتوق إليكِ، أحنّ إلى همساتكِ

في صوتك عذوبة النغماتِ
في صوتكِ لحن الناياتِ
في قلبكِ صدى الآهاتِ
أنتِ، أنتِ نجمة السماواتِ

أنتِ الخمر الذي أرشف
أنتِ اللحن الذي أعزف

أنتِ ، أنتِ منى العمرِ
أنتِ، أنتِ وجه القمرِ
أنتِ، أنتِ طعم الثمرِ
أنتِ، أنتِ بسمة الثغرِ
أنتِ، أنتِ ليالي السمرِ

أنتِ ليل النغمِ
أنتِ يوم النعمِ
أنتِ أم الأممِ
أنت عزيمة الهممِ

أنتِ امرأة خالدة في قلبي وخيالي
أنتِ امرأة ولدتِ من رحمِ الجمالِ
أنتِ امرأة قاربتِ عرش الكمالِ
أنتِ حبيبتي وكل آمالي

أحببتكِ والعشق ذوّبني
أحببتكِ والهوى عذّبني

سافرتُ في بحرِ عينيك الأزرق
وصرتُ في عبابِ أمواجهِ أغرق
ورحتُ أغوصُ إلى مسافة أعمق
غرقتُ، غرقتُ،والله كفتى أحمق
غرقتُ، غرقتُ وكم يطيبُ الغرق...

ميلادكِ لولاه لما كان المُنى
ميلادكِ لولاه لما كان السنا
ميلادكِ لولاه لما صرتُ أنا
لما ربط العشق بيننا

ميلادكِ ميلادُ الحبِ
تاريخهُ في القلبِ

في ليلة من آبِ
في غمرةِ الضبابِ
ولدَ المُنى
ليبقى هنا
في قلبي أنا

ميلادكِ ميلادُ الزهورِ
ميلادكِ ميلادُ السرورِ
أنتِ وأنا في دنيا الحبورِ
فلنعش معا أبدَ الدهورِ

أنتِ حبيبيتي قبل الزمانِ
وأنتِ حبيبتي بعد الزمانِ
أنت لقلبي شاطئ الأمانِ
وأنتِ في القلب شعلة إيماني

       أنت حبيبتي

٢٠‏/٥‏/٢٠٠٥

اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات

اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات:

هل يلتزم حقوق الإنسان المكرّسة في الاتفاقات الدولية؟

بقلم الدكتور دريد بشرّاوي

أستاذ محاضر في كلية الحقوق في جامعة روبير-شومان – فرنسا

محام بالاستئناف


يعكس قانون العقوبات بنصوصه توجهات السلطة التي تضعه وطبيعة النظام السياسي المعمول به في البلد المطبق على أراضيه. ويظهر ذلك للعيان من خلال السلوك والأفعال التي يجرّمها ويفرض معاقبتها حماية للمصالح العامة أو حتى الفردية أو السلطوية. فإذا كانت النصوص التجريمية تهدف إلى قمع الحريات وكم الأفواه ومعاقبة أي سلوك يتناغم مع الحرية أو يدخل ضمن إطار ممارسة حقوق الإنسان الطبيعية المعترف بها في الاتفاقات والعهود الدولية المعنية بحماية هذه الحقوق ( كحرية القول والتعبير والإعلام، وحرية الدين والمعتقد، وحرية العمل والانتماء إلى الجمعيات والأحزاب السياسية، والحرية الشخصية، وحرية الزواج، وحرية ممارسة العمل السياسي قولا وكتابة الخ. )، فهذا يدل دلالة واضحة على أن النظام السياسي المعمول به هو نظام سلطوي أو أحادى وديكتاتوري قامع للحريات وللحقوق.

أما إذا كانت نصوص قانون العقوبات لا تجرّم النشاط العادي للفرد الكامن في التعبير عن حريته في إبداء رأيه وتفكيره قولا وكتابة، وفي ممارسة الشعائر الدينية والسياسية وفي نقد النظام الحاكم عن طريق المعارضة السياسية والديمقراطية البنّاءة، وفي غيرها من الأفعال التي أضحت تعتبر من الحقوق الطبيعية في أيامنا هذه في البلدان الديمقراطية والليبرالية والتي تكرّسها الاتفاقات والشرعات الدولية ( كالإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، فهذا يؤكّد على طبيعة النظام الديمقراطي والليبرالي القائم والذي على أساسه تبنى المؤسسات الدستورية في الوطن وتنظم العلاقة بين الدولة والمواطن بما يؤمّن أمن الدولة والمجتمع وحرية المواطن على السواء وفي شكل متوازن وموضوعي.

وقد تختلف النظرة إلى القيم الاجتماعية الواجب حمايتها بنصوص قانون العقوبات بين مشرّع وآخر، وبين مجتمع وآخر وبين حقبة زمنية وأخرى. وهذه النظرة قد تعكس تقاليد المجتمع وتفكيره وعاداته.

فالسلوك الذي يعاقب عليه قانون العقوبات في بلد ما، قد لا يجرّمه المشّرع في بلد آخر لعدم اعتبار القيمة الاجتماعية أو المصلحة المزمع حمايتها وردأ الاعتداء عنها، في الموقع الجغرافي المعني، قيمة حقيقية أو مصلحة هامة يتوجب مراعاتها بنص جزائي يعاقب المس بها. وهذا لعدم اعتبار الفعل الواقع عليها بالمهم أو بالخطر، مما يعني أن المجتمع المعني لا يبدي أي ردة فعل سلبية إزاء الفعل الواقع لأنه يعتبره سلوكا عاديا وطبيعيا أو على الأقل غير مضر بحيث أن التفكير بمعاقبته قد يدعو للسخرية أو إلى التزمت.

وخير دليل على ذلك فعل الزنى الذي يؤلّف جنحة يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في المادة 487 منه وكذلك اقتراح تعديل هذا القانون بالعقوبة ذاتها، وجناية في بعض البلدان ذات النظام السياسي الديني حيث يحكم على الزانية بالرجم، بينما لا يشكّل في البلدان الأوروبية وغيرها من البلدان ذات النظام الليبرالي سوى خطأ مدنيا لا يعاقب عليه القانون بعقوبات جزائية[1] . وهذه هي الحال بالنسبة لفعل تعدد الزوجات الذي يعتبر جريمة في بعض التشريعات الجزائية ومنها قانون الجزاء الفرنسي الذي يعاقبه بسنة حبس وبغرامة تبلغ خمس وأربعين ألف أورو، في وقت لا يؤلّف فيه جرما جزائيا بل حقا من الحقوق الشرعية في بعض البلدان ومنها لبنان بالنسبة لبعض الطوائف. ويصح القول ذاته بالنسبة لفعل اللواط الذي تعاقب عليه المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني بسنة حبس والمادة 534 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات بسنة حبس وبغرامة قد تصل إلى مليوني ليرة كحد أقصى، والذي لا يعتبره المشرّع الفرنسي فعلا جرميا يستحق أي عقاب جزائي. وكذلك أيضا بالنسبة لفعلي الإجهاض واستعمال الوسائل التي تؤدي إلى الإجهاض وترويجها المجرّمين في قانون العقوبات اللبناني وكذلك في اقتراح قانون تعديل هذا القانون[2]، بينما لا يؤلّف الإجهاض في التشريع الجزائي الفرنسي جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا حصل قبل مرور الأسبوع الثاني عشر على الحمل وفي حال توفرت الشروط التي يفرضها.

ولا ننسى أن الزوج الذي يفاجئ زوجه في حال الزنى المشهود ويقتله في الحال يستفيد من العذر المخفف المنصوص عليه في المادة 251 من قانون العقوبات وفي المادة 251 من اقتراح تعديل هذا القانون وذلك تطبيقا للمادة 562 من قانون العقوبات والمادة 562 من اقتراح تعديل قانون العقوبات التي تبقي على هذا الوضع القانوني الشاذ رغم أنها لا تفرّق، كما هي عليه الحال حاليا، بين الزوج والزوجة لاغية بذلك عنصر عدم المساواة بينهما( في مقابل هذا الوضع التشريعي لا ينص قانون الجزاء الفرنسي أو أي قانون جزاء آخر في البلدان الأوروبية على هذا النوع من الأعذار المخففة).

وبالإضافة إلى ذلك فان القتل أو الإيذاء أو ارتكاب أي جريمة قصدية أخرى بدافع شريف يعود بالنفع على الفاعل من العذر المخفف المنصوص عليه في المادة 193 من قانون العقوبات اللبناني التي يبقي عليها اقتراح تعديل قانون العقوبات بحيث تطبق عقوبة الاعتقال المؤبد بدلا من الإعدام أو الاعتقال المؤبد أو لخمس عشر سنة بدلا من الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤقت بدلا من الأشغال الشاقة المؤقتة أو الحبس البسيط بدلا من الحبس مع التشغيل. وغني عن القول أن الدافع أكان شريفا أو غير شريف لا يؤلّف أي عذر مخفف في القانون الفرنسي ولا حتى في باقي البلدان الأوروبية، وذلك تلافيا لتشجيع الإجرام ومنعا لتسهيل ارتكابه.

إلى ذلك يضاف العديد من الأوضاع الجزائية التي تختلف باختلاف نظرة المشرّع أو المجتمع للجريمة أو لمدى خطورتها على مصالحه كمعاقبة السارق بالشنق في بعض البلدان ذات النظام الأحادي، ومعاقبة الجريمة ذاتها بالحبس البسيط وبالغرامة في البلدان الديمقراطية ومنها فرنسا.


إن نظرة المجتمع إلى المصالح والقيم، الواجب حمايتها بنص تجريمي، تتطور بتطور الفكر الاجتماعي والسياسي، وترتبط بالمفهوم الجماعي للقيمة أو للمصلحة والذي ينبع من المبادئ الأساسية والأفكار التوجيهية التي يضعها النظام السياسي القائم.

فما هو قيمة يقتضي المحافظة عليها بقوة وردأ الاعتداء الواقع عليها بالعقاب الزجري في المجتمعات ذات النظام العسكريتاري أو ذات النظام الواحد، لا يشكّل قيمة اجتماعية أو مصلحة عامة( مصلحة الدولة خصوصا أو مصلحة الحزب الحاكم) توجب تجريم السلوك الذي يعاكسها أو يناقضها أو يطال منها في البلدان التي تقوم أنظمتها السياسية على الإيمان بالحريات العامة وبالحرية الشخصية وبالديمقراطية وبتعدد الآراء وبحق التعبير.

والشاهد العيان على ذلك هي الأفعال أو السلوك التي قد تعتبر في بعض البلدان الديكتاتورية خيانة، أو تجسسا، أو مؤامرة، أو مسا بمصلحة الدولة العليا أو بأمنها أو بمصلحة النظام الحاكم، أو تآمرا على الدستور أو على مستقبل الأمة والشعب، ومعاقبتها بأشد العقوبات كعقوبة الإعدام ، والتي لا تشكّل هي ذاتها، في البلدان الديمقراطية والليبرالية، سوى جرائم جزائية عادية يتم معاقبتها بالحبس مع التشغيل، مثال ذلك جريمة التجسس التي تحمل اعتداء على مصالح الدولة العليا والتي لا تعاقب عليها المادة 411/5 من قانون الجزاء الفرنسي سوى بالحبس البسيط لمدة عشر سنوات على الأكثر وبغرامة تبلغ مائة وخمسون ألف أورو. ناهيك عن أن حرية الرأي والمعارضة السياسية قد تعتبر في بعض البلدان الدكتاتورية جناية ضد الدستور أو الأمة، في حين تؤلّف حقا من حقوق الإنسان الطبيعية في البلدان الليبرالية.

وقد يختلف مفهوم القيمة الاجتماعية المحمية بين حقبة وأخرى. فأعمال السحر والشعوذة وقراءة الغيب التي كانت تعتبر في العصور الوسطى، في أوروبا عموما وفي فرنسا خصوصا، جناية خطرة توجب القضاء على الساحر أو المشعوذ بواسطة الحرق، لم تعد تشكّل في أيامنا هذه جرائم يعاقب القانون عليها في هذه الدول.

وكذلك هي الحال بالنسبة لأفعال التشرد والتسوّل التي لم يعد يعاقب عليها التشريع الفرنسي منذ دخول قانون الجزاء الجديد حيز التنفيذ في تاريخ الأول من آذار سنة 1994، والتي لا زالت أفعالا مجرّمة بقانون العقوبات اللبناني وكذلك بنصوص اقتراح تعديل هذا القانون ( م 613 إلى 615 ).


وإزاء هذه المفارقات التشريعية يقتضي أن يراعي المشّرع، في عملية تجريم السلوك الإنساني الجارية في أي بلد كان، الحد الأدنى من التوازن بين الحريات العامة أو الحقوق الأساسية المعترف بها في الاتفاقات الدولية وبين القيم الواجب تجريم الاعتداء الواقع عليها، بحيث، من جهة، تصان للفرد حريته وحقوقه الطبيعية كحرية التعبير والمعتقد والإعلام وتعدد الآراء وممارسة الحقوق السياسية، وتعاقب، من جهة أخرى، الأفعال التي تطال من أمن المجتمع ومن سلامة الفرد الجسدية والمعنوية ومن حريته ومن حياته ومن ممتلكاته والتي تمس شرفه وسمعته. وذلك بعيدا عن فكرة التسلط والاستبداد وكبت الحريات وفكرة حماية النظام بالقمع والترهيب.


ومما لا شك فيه أن لبنان يعتبر ، لهذه الناحية، بلدا ديمقراطيا يقوم نظامه على أساس احترام الحريات العامة والحرية الشخصية وحقوق الإنسان عامة، وذلك بالنظر إلى أن الدستور اللبناني كرّس في مقدّمته هذه الحقوق معترفا بها ومتعهدا بتطبيق الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 الذي انضم إليه لبنان في العام 1972 وكل الاتفاقات والشرعات الدولية الأخرى المعنية بحماية حقوق الإنسان. والدستور اللبناني نص صراحة على احترام حرية الرأي والمعتقد والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل( فقرة ج ) وحكم الشعب للشعب وسيادته ( فقرة د ) وحق الإقامة ( فقرة ح ) والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون ( م 7 ) والحرية الشخصية ( م 8 ) وعدم إمكان القبض عل أحد إلا وفاقا لأحكام القانون ولا عقوبة ولا جريمة من دون نص قانوني ( م 8 ) وحرية التعليم ( م 10 ) وحرية تولي الوظائف ( م 10 ) وحرمة المنزل والحياة الخاصة ( م 13 ) والملكية الفردية.

ومن الواجب أن تتطابق نصوص القوانين الوطنية لكل دولة موقعة على الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان أو على الاتفاقات الدولية الأخرى المعنية بحماية حقوق الإنسان مع المبادئ والحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقات. وذلك لأن على الدولة المعنية احترام التزاماتها الدولية ولأن الاتفاقات الدولية المصادق عليها أصولا تتمتع بقوة إلزامية تعلو على قوة القوانين الداخلية وفق ما جاء في المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية. وفي حال تعارض هذه الأخيرة مع نصوص الاتفاقات أو الشرعات والعهود الدولية، تعطى الغلبة مبدئيا لنصوص الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان وللاتفاقات الدولية الأخرى المصادق عليها وفقا للأصول القانونية المرعية الإجراء. وبالتالي يكون من واجب المشرّع ، لدى قيامه بعملية تجريم فعل معين أو سلوك معيّن، أن يراعي الاتفاقات الدولية المذكورة بحرصه على عدم تعرّضه للحريات العامة ولحقوق الإنسان. وللحؤول دون إمكان تحلل الدول من أحكام الاتفاقات والمواثيق الدولية، نصت معظم هذه الاتفاقات ( وخصوصا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان) على أنه لا يسوّغ لأي دولة أو جماعة أو فرد تأويل أحكامها أو منع تطبيقها. وتتعهد الدول المنضمّة إلى هذه الاتفاقات، بموجب بنود صريحة فيها، بأن تتخذ الإجراءات التشريعية اللازمة لتنفيذ التزاماتها ( م 30 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والفقرة 2 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).


ولكن، رغم هذه المبادئ والحقوق التي يؤكّد الدستور اللبناني على احترامها في مقدّمته، يتبيّن من مراجعة نصوص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات الذي أعدته لجنة تحديث القوانين والذي أحالته إلى لجنة الإدارة والعدل للموافقة عليه، أن الكثير من أحكامه تتعارض مع المبادئ والحقوق المنصوص عليها في الاتفاقات والعهود الدولية التي صادق عليها لبنان وأهمها الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وذلك يتجسّد بالفعل عبر انطواء بعض نصوص هذا الاقتراح على أحكام لا تتوافق مع مبدأ عدالة القوانين التجريمية والعقابية( أولا)، ومع حريات الإنسان( ثانيا).




أولا : تناقض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع مبدأ عدالة القوانين الجزائية وإنسانيتها


جاء في المادة الخامسة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان أنه " لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة". كما نصت المادة 15 –1 ( البند الثاني) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه " ليس ما يحول دون محاكمة أو معاقبة أي شخص من أي فعل أو امتناع عن فعل إذا كان ذلك يعتبر وقت ارتكابه جريمة طبقا للمبادئ العامة للقانون المقررة في المجتمع الدولي".

وينتج من ذلك أن المبادئ الدولية تفرض أن يكون القانون التجريمي والعقابي متوافقا أولا مع الشرعية الدولية أي أن تكون الأفعال التي يجرّمها أفعالا يقر المجتمع الدولي بالضرر الذي قد ينتج عنها، وان تكون العقوبة التي يقرر إنزالها بالمذنب غير وحشية وغير حاطه بالكرامة أو غير قاسية أي متناسبة مع خطورة الفعل المرتكب وجسامته. مما يعني أنه يجب أن تكون العقوبة عادلة وإنسانية لأن هدفها الأساسي والأول هو إصلاح المحكوم عليه وإعادة تأهيله وليس القضاء عليه. فلا يجوز القضاء على الإنسان بحكم الإنسان طالما أن الكل يتفق على أن الحياة منة إلهية وعلى أنه لا يجوز، عملا بالاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان، فرض عقوبات وحشية واستبدادية وغير متلائمة مع وضع المحكوم عليه والظروف التي ارتكبت الجريمة في ظلها.

إن العقوبات الوحشية والاستبدادية وغير المتناسبة مع جسامة الجريمة أو خطورتها تناقض الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان ويمكن، على هذا الأساس، مقاومتها وإلغائها. وكما قال القديس توما الأكويني : عندما يكون القانون غير عادل ومتناف مع العدالة الإلهية، تجوز مقاومته ويبرر التمرّد على أحكامه.

وبدلا من أن يبادر المشرّع اللبناني إلى البدء بتطبيق سياسة جزائية قائمة على عدالة تتصف بالاتزان وبالمساواة وبالابتعاد عن العادات والتقاليد التي تحث على الإجرام، والى الأخذ بالمفاهيم الحديثة للعقاب القائمة خصوصا على فكرة إصلاح المجرمين ومعالجتهم ونبذ العقوبات الزجرية التي تقضي على حياة الإنسان أو على شخصيته أو التي تطال من جسده أو من كرامته، نص في اقتراح قانون تعديل العقوبات على عدة عقوبات وقواعد تناقض هذه التوجهات وكذلك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان. ويتجلّى هذا الواقع عبر بعض العقوبات المنصوص عليها في هذا الاقتراح ( ألف) ومن خلال مخالفة المشرع لمبدأ المساواة أمام القانون ( باء)، وتبريره لبعض الأفعال الجرمية ( جيم) وتكريسه للأعذار المخففة ( دال) ومخالفته لمبدأ تطبيق النص القانوني الأرحم من حيث الزمان ( هاء ) .


ألف : في بعض العقوبات المخالفة لحقوق الإنسان


يبقي اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات في المادة 37 وما يليها منه على عقوبات الإعدام والأشغال الشاقة والتجريد المدني والإبعاد. وهي عقوبات تنافي المبدأ القاضي بان تكون العقوبة إنسانية وغير قاسية وغير حاطة بكرامة الإنسان. وقد أتى التأكيد على هذا المبدأ في المادة الخامسة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان التي تنص على أن " لا يعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة"، وفي المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أنه " لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو لعقوبة أو لمعاملة فظة أو غير إنسانية...".

ولا ننسى أن عقوبة الإعدام تنافي الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة كونه يكرّس بصراحة تامة الحق في الحياة بمادته الثالثة التي تنص على أن " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". كما أن العقوبة ذاتها تتعارض مع أحكام المادة 6/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها ما حرفيته: " لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق".

ويشار إلى أن هذه العقوبات كانت قد ألغيت في فرنسا منذ زمن لتناقضها مع المبادئ المكرّسة في الاتفاقات والعهود الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وخصوصا مع الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان. فقد تمّ إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة بالقانون الصادر في 4 حزيران 1960، وعقوبة الإعدام بالقانون الصادر في 9 تشرين الأول سنة 1981 في عهد الرئيس فرنسوا ميتران بناء على مشروع وزير العدل السيد بادانتير في ذلك الحين الذي كان له الفضل الأول والأكبر في إلغاء هذه العقوبة، وعقوبتي الإبعاد والتجريد المدني منذ دخول قانون الجزاء الفرنسي الجديد حيز التنفيذ في تاريخ الأول من آذار سنة 1994 .

ويندرج إلغاء هذه العقوبات في خانة الحرص على تطابق القوانين الداخلية أو الوطنية مع نصوص الاتفاقات والشرعات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وفي خانة عدم توافقها مع مفاهيم السياسة الجنائية العصرية في البلدان الديمقراطية.

ورغم التخلّي عن هذه العقوبات في التشريعات الحديثة، فان المشرّع اللبناني ما زال يحرص على تطبيقها. أضف إلى ذلك أن بعض العقوبات الأخرى المنصوص عليها في اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات تخالف مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الفعل المرتكب وجسامته.


1 – في عدم إنسانية بعض العقوبات

إن أهم العقوبات التي تتناقض مع الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان لسبب عدم إنسانيتها ولقسوتها هي عقوبة الإعدام وعقوبة الأشغال الشاقة وعقوبة الإبعاد.


أ- عقوبة الإعدام.


ما زالت مسالة صوابية عقوبة الإعدام وفعاليتها وضرورتها تثير الكثير من الجدل بين رجال القانون من جهة وبين علماء الاجتماع والدين من جهة أخرى. وكان بيكاريا [3]Beccaria أول من نادى بإلغاء عقوبة الإعدام. لكن موقفه هذا بقي منفردا في مقابل تعاليم القديس توما الأكويني ومونتانييه ومونتسكيو وفولتير وجان جاك رووسو وماستر الذين دافعوا عن هذه العقوبة بشدة.

لكن الملاحظ اليوم هو أن هذه العقوبة القاسية، التي تؤدّي إلى إزهاق روح المحكوم عليه، بدأت تتراجع لجهة فعاليتها ، في البلدان الأوروبية، حيث لم تعد تطبق في كثير من الحالات الجرمية وحيث ألغيت نهائيا في عدد لا يستهان به من هذه البلدان وغيرها في العالم.

ويناهض الفقه الليبرالي الحالي عقوبة الإعدام بالمطلق ويستبعد إنزالها بالمجرمين لأن الأساس الذي يقوم عليه هذا الفقه هو إصلاح المجرم أو معاقبته بإيلامه نفسيا إذا كان غير قابل للإصلاح وذلك عن طريق حرمانه من حريته وليس عن طريق القضاء على حياته. وتطبيقا لهذا الاتجاه الليبرالي ألغيت عقوبة الإعدام كليا في فرنسا وألمانيا والنمسا والدانمرك وفنلندا وأيسلندا والليكسمبورغ والنروفيج والبرتغال والسويد وكندا وزي لندا الجديدة وفي عدد كبير من دول أميركا الوسطى والجنوبية وفي أفريقيا الجنوبية. وألغيت عقوبة الإعدام جزئيا في بعض البلدان الأوروبية كبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وإنكلترا، حيث لا زالت تطبق فقط في ما خص بعض الجرائم العسكرية والسياسية.

أما الحجج التي يدفع بها المنادون بإلغاء عقوبة الإعدام فهي ذاتها التي أطلقها كل من بيكاريا وفيكتور ايغو وأهمها:

- وحشية هذه العقوبة وقسوتها وعدم إنسانيتها ودلالتها على أن من يطبقها يؤيّد فكرة الانتقام وأنه لا يقيم للمبادئ الإنسانية أي اعتبار ولا للقيم والتعاليم الدينية التي تحرّم القتل أي مقام أو احترام. فما قيمة هذه العدالة الحمو رابية التي تبرر القتل كرد على القتل؟ وهل يحلل للإنسان أن يحاكم أخاه الإنسان بالقتل ؟ وهل يجوز الخروج على إرادة الله الذي خلق الإنسان بقتل هذا الإنسان؟

- عدم فائدتها، إذ أن الإحصاءات دلت على أن الإجرام لم تخف وطأته ولم يتراجع استشراءه في البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام. وخير دليل على ذلك جرائم القتل الشنيعة وجرائم الاعتداء على الأطفال وقتلهم بطريقة فظيعة في بعض الولايات الأميركية التي تطبق عقوبة الإعدام. ولا ننسى القضية الشهيرة التي ارتكب فيها الفاعل جريمة قتل في معرض حضوره إجراءات تنفيذ عقوبة الإعدام بأحد المحكوم عليهم شنقا. أضف إلى ذلك أن الإحصاءات دلت على أن نسبة الإجرام لم ترتفع في البلدان التي ألغت تشريعاتها الجزائية عقوبة الموت بالمقارنة مع النسبة ذاتها في البلدان التي ما زالت تطبق هذه العقوبة كبعض الولايات المتحدة الأميركية (في ولاية تكساس على سبيل المثال).

- لا يمكن إصلاح الخطأ الحاصل في الحكم الذي قضى بهذه العقوبة أو تدارك مفاعيلها كونها تقضي على حياة الإنسان . مما يعني أنه في حال الحكم بها تحت وطأة خطأ قضائي، لا مجال للعودة إلى الوراء لإلغاء نتائجها ويقضي المجتمع بذلك على إنسان بريء. وهذا ما يبيّن مدى خطورة هذه العقوبة المقررة من قبل إنسان معرّض للوقوع في الخطأ كأي إنسان آخر.

- إن شخصية المحكوم عليه، خلال توقيفه، تختلف عن شخصيته في وقت ارتكابه للجريمة، إذ يكون بعد اقترافه لفعله الجرمي اقل خطورة أو حتى أنه لا يعود يشكّل خطورة تفرض القضاء عليه لتجنيب المجتمع خطر إجرامه. ما يظهر أن العقاب الكامن في القضاء على المجرم لا يعود على المجتمع بأي فائدة عملية[4]، بل على العكس من ذلك فان تنفيذ هذه العقوبة يخلق نوعا من الاشمئزاز لدى غالبية أفراد المجتمع.

أضف إلى ذلك أن عقوبة الإعدام أضحت تناقض ، في عصرنا هذا، مفاهيم حقوق الإنسان المكرّسة في الاتفاقات والعهود الدولية والتي تقيم مكانا خاصا للحق في الحياة ولتحريم المساس به حتى ولو كان الشخص المتهم مجرما حقيقيا. وهذا لاقتناع المجتمع الدولي بأنه لا يجوز الرد على القتل بالقتل بل بعقاب قد يكون أكثر إيلاما للمحكوم عليه من الموت ( الحرمان المؤبد من الحرية) وبالتوجيه والإصلاح وليس بالانتقام، وخصوصا أن الحياة هي ملك الخالق وحده. هو حده يعطي الحياة، وهو وحده من يحرم الإنسان منها. ولا يمكن تاليا للمجتمع أن ينصّب نفسه مكان الله ليحكم على أحد الناس بالموت حتى ولو كان هذا الأخير مجرما.

هذا ما آلت إليه التوصيات والقرارات الدولية في هذا الشأن وأهمها القرار الرقم 2857، XXVI ،الصادر في 20 كانون الأول سنة 1971 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقراران الصادران عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في تاريخ 20 أيار سنة1971 و9 أيار سنة 1979، والقرار الرقم 727 تاريخ 22 نيسان 1980 الصادر عن المجلس الأوروبي والتوصية الرقم 891 الصادرة عن البرلمان الأوروبي في تاريخ 18 حزيران سنة 1981 . وكانت قد ألغيت عقوبة الإعدام في العديد من البلدان الأوروبية ومنها فرنسا تحت وطأة هذه القرارات الدولية، وهذا رغم الاتجاه الذي كان يميل إلى الإبقاء عليها لتطبق استثنائيا كرادع فعّال ضد بعض الجرائم الخطيرة جدا كخطف الأحداث واغتصابهم ومن ثم قتلهم.

أما بالنسبة لاقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، فهو كما ذكرنا سابقا يبقي على عقوبة الإعدام وينص على تطبيقها في ما خص عدد لا يستهان به من الجرائم، كإثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي إذا نجم عن الفعل موت إنسان ( / 308 ) وفعل الإرهاب الذي يودي بحياة أحد الأفراد ( م 315 ) والقتل المرتكب عمدا أو تمهيدا لارتكاب جناية أو تسهيلا أو تنفيذا لها، أو القتل المرتكب على جرحى الحرب أو على أحد الأصول أو الفروع أو على موظف في أثناء تأدية وظيفته أو في معرض تأديتها، أو القتل باستعمال الوسائل الشديدة الخطورة، ودس الدسائس لدى العدو( م 275 ).

ويلاحظ هنا أن المشرع اللبناني لا ينص على عقوبة الإعدام فقط في ما خص القتل المرتكب عن سابق تصور وتصميم، وإنما أيضا في ما خص بعض جرائم القتل المرتكبة قصدا أي دون تعمّد. وهنا تكمن خطورة هذه العقوبة أكثر فاكثر وذلك لامكان تطبيقها مثلا على من ارتكب فعل القتل في ثورة غضب أفقدته وعيه وصوابه فقضى لسبب ما على أحد أصوله أو فروعه أو على موظف في أثناء قيامه بوظيفته.

أضف إلى ذلك، أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، وبنص شديد الخطورة، يوجب إنزال عقوبة الإعدام، بموجب المادة 258 منه، بمن حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة حكما مبرما وارتكب جناية أخرى توجب العقوبة نفسها. وهذا يعني أن الاقتراح المذكور ( وكذلك النص الحالي للمادة 258 ) يقضي بإنزال عقوبة الإعدام بمن ارتكب فعلا جرميا لا يعاقب عليه القانون بالموت بل بالأشغال الشاقة المؤبدة، أي أنه يجعل من واقعة التكرار سببا موجبا لعقوبة الإعدام، ما يناقض، من جهة أولى وبصورة فاضحة، حقوق الإنسان والمبدأ القاضي بإنسانية العقوبة وبعدم وحشيتها، وما يخالف من جهة ثانية المبدأ الذي يفرض ضرورة تناسب العقوبة مع خطورة الفعل الجرمي المرتكب. وبهذا، وعلى سبيل المثال، فان الشخص الذي يحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لإقدامه على الإضرار بالمنشآت والمصانع والسفن والأرزاق وطرق المواصلات بهدف شل الدفاع الوطني( م 276 )، والذي يعاود ارتكاب الفعل ذاته أو غيره كفعل القتل قصدا، الذي يعاقب عليه اقتراح قانون العقوبات بالأشغال الشاقة المؤبدة ( م 548 )، يحكم عليه بالإعدام.

ويتأكد بذلك أن السياسة الجنائية المعتمدة في اقتراح قانون العقوبات اللبناني هي سياسة تقوم على أسس الردع والزجر والانتقام وليس على أساس تأهيل المجرم وإصلاحه ، وهي تتنكر بذلك لمبادئ ولحقوق الإنسان المعترف بها دوليا ولقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها القاضية بإلغاء عقوبة الإعدام.


ب – عقوبة الأشغال الشاقة


ألغيت عقوبة الأشغال الشاقة في فرنسا منذ سنة 1960 واستبدلت بعقوبة التشغيل الجنائي ( La réclusion criminelle) . وكان قد أتى هذا الإلغاء ليؤكّد السياسة الجنائية المعتمدة في فرنسا منذ سنة 1938 والتي مؤداها عدم اعتبار المحكوم عليهم كبهائم يمكن تعذيبهم وتشغيلهم أشغال شاقة ومرهقة، بل كأفراد يقتضي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم بواسطة التعليم والعمل المهني غير المرهق والمضني والذي يتناسب مع قدرات الإنسان الجسدية والعقلية. فلقد ولىّ العهد الذي كان يعتبر فيه المحكوم عليه أداة في يد إدارة السجون لتنفيذ الأشغال المرهقة والمضنية بهدف تعذيبه وإذلاله ومحو شخصيته الإنسانية، إذ أن هذا النوع من العقوبات يتنافى ومبادئ حقوق الإنسان، المكرّسة بالاتفاقات والعهود الدولية[5] التي تحظّر أعمال التعذيب ضد السجناء والعقوبات القاسية والوحشية كالأشغال الشاقة وان كان المحكوم عليه مذنبا. وقد أكّد هذا النهج الجنائي الجديد التقرير الذي استند إليه المرسوم الفرنسي الصادر في تاريخ 12 أيلول سنة 1972 والذي يلزم حسن معاملة السجناء حتى المحكوم عليهم بأشد العقوبات:

« Le travail dans les prisons n’est pas considéré comme un élément afflictif de la peine mais comme un moyen de traitement et de réadaptation tant sur le plan psychologique que professionnel ».

وهذا هو النهج الذي أعتمده المرسوم المذكور أعلاه بحيث أن عقوبات التشغيل الجنائي لا يفترض تنفيذها قيام المحكوم عليهم بأشغال شاقة ومضنية أو مذلّة وإنما بعمل أو بمهنة عادية تناسب وضع المحكوم عليه الجسدي والعقلي وحتى العلمي[6]. وهذا يدل دلالة واضحة على أن عقوبة الأشغال الشاقة حذفت من سلم العقوبات القانونية في فرنسا وكذلك في معظم البلدان الليبرالية والتي تؤمن بحقوق الإنسان.

ويلاحظ أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يبقي على عقوبات الأشغال الشاقة ولا يستبدلها بعقوبات التشغيل الجنائي أي التشغيل الذي لا يكمن في قيام المحكوم عليه بأشغال مضنية أو مرهقة أو تتعدى طاقاته الجسدية أو مذلة وحاطة بالكرامة الإنسانية. وهو بذلك لا يعتمد سياسة جنائية تهدف إلى إصلاح المحكوم عليهم ومعالجتهم، بل إلى القضاء على شخصيتهم، ونفسيتهم، والى اعتبارهم بهائم تصلح للعمل الشاق. وهذا ما يستنتج من نص المادة 45 من الاقتراح المذكور أعلاه التي تنص على أن يجبر المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة على القيام بأشغال مجهدة سواء في داخل السجن أو في خارجه.

أضف إلى ذلك أن الاقتراح المذكور ينص على الأشغال الشاقة كعقوبة مخصصة لكثير من الجرائم التي قد لا توجب جسامتها أو خطورتها مثل هذه العقوبة. فهو،على سبيل المثال، يعاقب، في المادة 299 منه، من أخل، في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها، بتنفيذ بعض الموجبات التي يفرضها عليه عقد التزام أو عقد استصناع أو تقديم خدمات ارتبط به مع الحكومة، بالأشغال الشاقة المؤقتة.

ويتبيّن بوضوح أن هذه النصوص تخالف بشكل فاضح مبادئ حقوق الإنسان المكرّسة في الاتفاقات والشرعات الدولية. هذا لأنها أولا تفرض عقوبات قاسية تتخطى بقسوتها خطورة الفعل وجسامته، ولأنها ثانيا تجعل من الإخلال بموجب مدني جناية يعاقب عليها بالأشغال الشاقة مع العلم أن الإخلال المدني مهما كانت جسامته لا يؤلّف في كل الأحوال جناية ، ولأنها ثالثا تحد من حرية العمل[7] ومن المبدأ الذي يحظّر فرض أي عمل على أي إنسان مهما كانت الغاية منه شريفة ووطنية وذات منفعة عامة. هذا عدا عن أنها تفرض عقوبة تعتبر أصلا من العقوبات المنافية لحقوق الإنسان المكرّسة بالاتفاقات الدولية( الأشغال الشاقة).

وعلى سبيل المثال أيضا، فان اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يعاقب بنص المادة 352 منه فعل الرشوة الذي يرتكبه أحد الموظفين بالأشغال الشاقة المؤقتة باعتباره الجريمة جناية، مما يؤلّف مبالغة كبيرة بالنظر إلى جسامة الفعل المرتكب. فجريمة الرشوة مهما كانت نتائجها مضرة بالمنفعة العامة أو بالإدارة العامة، لا يقتضي أن تؤلّف جناية لأنها لا تعد من الجرائم التي تخلق نوعا من الرعب العام في المجتمع أو من الجرائم التي تلحق الضرر بفئة كبيرة من الناس أو من الجرائم التي تمس مشاعر المجتمع . وخير دليل على ذلك هو أن قانون الجزاء الفرنسي يسبغ في المادة 433/1 منه وصف الجنحة على فعل الرشوة ويعاقبه بعقوبة الحبس لمدة عشر سنوات على الأكثر وبالغرامة التي تبلغ 150 ألف أورو كحد أقصى.

وما يلفت الانتباه في اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات لجهة عدم تناسب العقوبة مع الفعل المجرّم وجسامته، هو أنه يعاقب في المادة 359 منه فعل الموظف الذي يختلس أموال الدولة، وهو فعل يتعدّى بخطورته وجسامته فعل الرشوة، بعقوبة حبس من شهر إلى سنتين، أي بعقوبة جنحية طفيفة، في حين يعاقب فعل الرشوة، كما رأينا سابقا، بالأشغال الشاقة المؤقتة أي بعقوبة جنائية. وهذا يدلّ بوضوح على عدم تطابق العقوبات المنصوص عليها في الاقتراح المشار إليه أعلاه مع طبيعة الأفعال المجرّمة ومع الخطورة التي تنتج عنها وعلى عدم صحة المعيار الذي على أساسه حددت هذه العقوبات.


ج- عقوبة الإبعاد أو النفي : Le bannissement


إن عقوبة الإبعاد هي عقوبة جنائية سياسية( م 38 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات و م 38 من قانون العقوبات) أي أنها عقوبة تنزل بمرتكبي الجنايات السياسية. وهي توجب، عملا بأحكام المادة 47 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، إخراج المواطن المحكوم عليه من بلاده. أما إذا لم يغادر المحكوم عليه بالإبعاد في خلال خمسة عشر يوما أو إذا عاد إليها قبل انقضاء مدة عقوبته أبدلت عقوبة الاعتقال من عقوبة الإبعاد لمدة أدناها الزمن الباقي من العقوبة وأقصاها ضعفاه على أن لا تتجاوز الحد الأقصى لعقوبة الاعتقال المؤقت.

ويشار إلى أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يبقي على هذه العقوبة المنصوص عليها حاليا في قانون العقوبات معتمدا النص الحرفي للمادة 47 من هذا القانون من دون أي تعديل.

إن هذه العقوبة التي تجد لها أساسا في فكرة إقصاء المعارضين السياسيين للنظام الحاكم إلى خارج البلاد باعتبارهم مجرمين سياسيين، لاقت رواجا خصوصا في القدم واستمر تطبيقها حتى تاريخ الثورة الفرنسية. لكن، ورغم الإبقاء عليها في نص قانون الجزاء الفرنسي القديم والملغى منذ تاريخ الأول من آذار 1994، سقط استعمالها لعدم فائدتها منذ حوالي النصف قرن في فرنسا إذ أن المحكوم عليه سياسيا بالإبعاد إلى خارج البلاد يبقى بوسعه في أيامنا هذه وبكثير من الوسائل الفعّالة ، كالأنترنت والفاكس والهاتف والفضائيات، أن يقلّب الرأي العام سياسيا وأن يتدخل في الشؤون السياسية لبلاده بطريقة تضايق النظام الحاكم أو الإدارة الحاكمة في البلد التي أرادت إبعاده لتلافي خطره على النظام أو على الدولة أو للاستفراد بمقدّرات السلطة أو للانتقام منه.

هذا من جهة، أما من جهة أخرى فان عقوبة الإبعاد ، التي ما زالت تطبق في عدد لا يستهان به من الدول وخصوصا في تلك التي يقوم نظامها السياسي على الديكتاتورية أو على نظام الحزب الواحد، تناقض المبادئ التي يقر بها المجتمع الدولي وحقوق الإنسان المكرّسة بالاتفاقات والعهود الدولية وخصوصا منها حرية الانتقال واختيار محل الإقامة وحق كل مواطن الإقامة في بلده أو مغادرته متى شاء. وهذا ما جاء التأكيد عليه صراحة في المادة 13/1 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان التي تنص على أن "1 - لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة. 2- يحق لكل فرد أن يغادر أي بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه".

وكذلك فان المادة 12/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على أن " 1 - لكل فرد مقيم بصفة قانونية ضمن إقليم دولة ما الحق في حرية الانتقال وفي أن يختار مكان إقامته ضمن ذلك الإقليم. 2- لكل فرد حرية مغادرة أي قطر بما في ذلك بلاده. 4 – لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلاده".

و تتعارض عقوبة الإبعاد أيضا مع أحكام المادة 3 من البروتوكول الملحق بالاتفاق الأوروبي المعني بحماية حقوق الإنسان والتي تنص حرفيا على أنه " لا يجوز إبعاد أي مواطن، سواء بقرار فردي أو بقرار جماعي، من البلاد التي هو أحد رعاياها" :

« Nul ne peut être expulsé, par voie individuelle ou collective, du territoire de l’Etat dont il est ressortissant »[8].

ولهذا ألغيت هذه العقوبة نهائيا من التشريع الجزائي الفرنسي بقانون الجزاء الجديد الذي دخل حيز التنفيذ منذ تاريخ الأول من آذار سنة 1994 ليولّي معها فصل من فصول تاريخ العقوبات المنافية لحقوق الإنسان ولحريته في الجمهورية الفرنسية.

أما في لبنان، فان المشرع، وبدلا من أن يلغي هذه العقوبة المنافية لحقوق المواطن الطبيعية، يتجه نحو الإبقاء عليها وذلك بذهنية إقصاء الآخر، إقصاء المعارض وإقصاء الخصم السياسي أو ما قد يعتبره قانون العقوبات مجرما سياسيا وفقا لمعايير لا تتوافق وحرية العمل السياسي أو حق الإنسان في بذل الجهد السياسي السلمي لتحقيق مبادئه السياسية أو لتحقيق استقلال بلاده وحريتها وتحريرها من نير الاحتلال والهيمنة على قرارها السياسي ولوضع حد لانتهاك سيادتها، وكلها حقوق مكرّسة بالاتفاقات والعهود الدولية ويؤكّد ميثاق الأمم المتحدة على شرعيتها. فبأي حق يبيح المشرع إذن لنفسه النص على إقصاء أو إبعاد مواطن من وطنه من الأرض التي ولد فيها وترعرع في جبالها ؟ وعلى أي أساس من الحق والعدل يتجّرأ القاضي على النطق بهذه العقوبة ضد أخ له بالمواطنية والهوية؟ وعلى أي أساس من الشرعية تم الحكم بهذه العقوبة النكراء، دون محاكمة تذكر، ضد العماد ميشال عون؟

إن السلطة التي تلجأ إلى هذه العقوبة الجبانة كي تبعد من ينادى بالحرية والاستقلال والكرامة لوطنه، ومن يعمل على تحرير بلاده من رجس الاحتلال، أو من يعارض النظام الحاكم، تكون سلطة قائمة على الاستبداد وعلى الديكتاتورية، ويكون نظامها بعيدا كل البعد عن الديمقراطية ولا يقوم على أساس التعدد السياسي وحرية المعارضة السياسية.

لذا نأمل أن يأتي يوم قريب وتولّي فيه هذه العقوبة إلى غير رجعة، يوم يعود لبنان بلد الحرية والديمقراطية وتعدد الآراء والتعايش والتسامح والحرية السياسية، لأن النظام السياسي اللبناني هو، وفق ما ينص عليه الدستور، نظام ديمقراطي أساسه الحرية والتعددية.


2- في عدم تطابق بعض العقوبات مع مبدأ ضرورة العقوبة وتناسبها مع خطورة الفعل الجرمي


إن مبدأ ضرورة العقوبة وتناسبها مع خطورة الجريمة وجسامتها هو مبدأ جزائي أساسي يتوجب على المشرّع احترامه لدى سنّه قانون الجزاء وفي عملية تحديد العقوبات الممكن إنزالها بفاعلي الجرائم وبالمساهمين في ارتكابها. وجاء النص على هذا المبدأ صراحة في المادة الثامنة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان لسنة 1789 التي تفيد أنه " لا يجوز النص سوى على العقوبات التي تفرضها الضرورة القصوى والمتناسبة مع الجريمة المرتكبة". وقد وضع المجلس الدستوري الفرنسي هذا المبدأ في مصاف المبادئ الدستورية والأساسية، ما يعني أن القانون الذي يخالفه يمكن إبطاله بقرار من المجلس الدستوري[9] .

ويتبيّن من مراجعة نصوص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، الذي يبقي على معظم أحكام هذا القانون، أنها تخالف في كثير من المواضع مبدأ ضرورة العقوبة المنصوص عليها و تناسبها مع خطورة الفعل المجرّم. ونظرا إلى تعدد المخالفات المرتكبة على هذا المبدأ والتي تضمنها اقتراح قانون العقوبات، فلا يمكن الإشارة إلا إلى الأهم والأخطر منها:


أ - اعتبار الحبس مع التشغيل عقوبة جنحية.

تنص المادة 39 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على أن عقوبة الحبس مع التشغيل هي عقوبة جنحية. وتضيف المادة 51 من الاقتراح ذاته المأخوذة عن قانون العقوبات أنه يخضع المحكوم عليه بالجبس مع التشغيل للنظام الذي حددته المادة 46 في شأن المحكوم عليه بالاعتقال. وهذا يعني أن المشرع يخضع المحكوم عليه بجنحة لنظام تشغيل منصوص عليه في مادة الجنايات السياسية، أي أنه يضع الجنحة في ذات منزلة وخطورة الجناية ويفرض على المحكوم عليه بها الشغل الذي تقرره إدارة السجن. وذلك عملا بأحكام المادة 46 من الاقتراح المذكور أعلاه التي تنص على أنه " يشغّل المحكوم عليهم بالاعتقال في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن وفقا لما اختاروه عند بدء تنفيذ عقوبتهم".

ويظهر عدم تناسب عقوبة الحبس مع التشغيل مع خطورة الجنحة المرتكبة من خلال إمكان معاقبة الكثير من الجنح الطفيفة بهذه العقوبة الجسيمة. ويذكر، في هذا المجال وعلى سبيل المثال، أن المادة 659 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات تعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليوني ليرة كل من يقدم، مع علمه بعجزه عن الدفع أو بتصميمه على عدم الدفع، على ركوب واسطة نقل عام أو تناول طعام أو مشروبات في مؤسسة معدة لبيعها. ويطرح السؤال هنا عن مدى ضرورة إنزال عقوبة الحبس مع التشغيل بمن أقدم على ارتكاب مثل هذا الفعل الطفيف والذي لا يشكّل خطورة جسيمة على المجتمع. والى ما هنالك من أفعال غير خطرة يمكن معاقبتها بالحبس مع التشغيل عملا بالاقتراح المذكور أعلاه كعرقلة حرية البيع بالمزاد ( م 660 )، والمراباة ( م 662 )، واعتياد المراباة ( م 663 )، والقروض لقاء رهن ( م 664 )، والشيك من دون رصيد ( م 665 : حبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مليون إلى عشرة ملايين)[10]، وإساءة الائتمان ( م 670 : حبس من شهرين إلى سنتين وغرامة من خمسمائة ألف إلى ثلاثة ملايين.

هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان المادة 39 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، وعلى غرار المادة 39 من قانون العقوبات الحالي، تفرّق بين الحبس البسيط والحبس مع التشغيل كعقوبات جنحية. غير أنه يلاحظ أن مواد اقتراح القانون هذا التي تجرّم الأفعال الجنحية وتعاقبها لا تشير إلى هذه التفرقة بين عقوبات حبس مع التشغيل وعقوبات حبس بسيط. فهي لا تنص سوى على عقوبة الحبس كعقوبة مانعة من الحرية. وهذا يعني أن القاضي هو الذي يقرر ما إذا كانت عقوبة الحبس التي ينطق بها ضد المحكوم عليه ستنفّذ مع التشغيل أو بدون التشغيل، ما يؤلّف خروجا على الشرعية الجزائية إذ لا جريمة ولا عقوبة من دون نص. أضف إلى ذلك أن ترك أمر تحديد طبيعة العقوبة الواجب إنزالها بالمحكوم عليه قد يؤدّي في غالب الأحيان إلى إساءة استعمال السلطة والى تسلّط في إصدار الأحكام وتوزيع العقوبات يناقضان مبدأ الشرعية الجنائية المكرّس في قانون العقوبات نفسه وفي الاتفاقات والشرعات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.


ب‌- في العقوبات الأخرى التي لا تتناسب مع خطورة الفعل الجرمي


يتضمّن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، كقانون العقوبات الحالي، الكثير من الأحكام التي تنص على عقوبات جزائية تناقض مبدأ ضرورة العقوبة وتناسبها مع جسامة الجريمة وخطورتها، ومنها على سبيل المثال:

1- أحكام المادة 258 التي تنص على عقوبة الإعدام ضد من حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة بموجب حكم مبرم وعاد فارتكب بعد ذلك جناية أخرى توجب العقوبة نفسها التي حكم بها من قبل. يلاحظ هنا أن المشرع ينص على إنزال عقوبة الإعدام بالفاعل الذي لم يرتكب جناية يعاقب عليها بالإعدام بل بالأشغال الشاقة المؤبدة. هذا عدا عن أن عقوبة الإعدام هي بحد ذاتها عقوبة مناقضة للحق في الحياة وللمبادئ والقيم الإنسانية والدينية.

2- أحكام المادة 266 التي تنص على عقوبة التجريد المدني والمنع من الإقامة والإخراج من البلاد ضد من ثبت اعتياده للإجرام أو من حكم عليه كمكرر بعقوبة جنحية مانعة للحرية.

تكمن خطورة هذه المادة في النص على عقوبة التجريد المدني، التي هي عقوبة جنائية سياسية، لمعاقبة جنحة في حال التكرار. وهذا يعني أنه يمكن إنزال عقوبة التجريد المدني، وهي عقوبة خطرة وجسيمة، بمن كرّر مثلا ارتكاب إساءة أمانة أو فعل ربى أو أي جنحة أخرى طفيفة يعاقب عليها بالحبس، مما يتنافى مع مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الفعل الجرمي.

3- أحكام المادة 299 التي تعاقب الإخلال بتنفيذ عقد مع الإدارة العامة في زمن الحرب، ناتج عن الإهمال أو التقصير، بسنة حبس وبغرامة لا تقل عن المليون ليرة.

تظهر خطورة هذا النص في أنه يعاقب الإخلال المدني الناتج عن تقصير بعقوبة الحبس أي بعقوبة مانعة من الحرية. ما يشكّل خرقا لمبدأ ضرورة العقوبات ولحقوق الإنسان وخصوصا لحرية العمل المكرّسة في الاتفاقات والعهود الدولية.

4- أحكام الفقرة الثانية من المادة 631 التي تحظّر على فاعل أي جنحة مقصودة إدارة حانة أو محل مباح للجمهور تقدم فيه مشروبات روحية.

لا ضرورة لهذه العقوبة إزاء العديد من الجنح المقصودة التي قد ترتكب والتي لا نرى فيها ما يوجب التحظير على فاعليها إدارة محل أو حانة مفتوحة للعموم، وذلك من جهة لعدم خطورة مقترفي هذه الجنح، ومن جهة أخرى لانعدام الرابط السببي أو الموضوعي بين التحظير المنصوص عنه بالمادة 631 وطبيعة الجنحة المرتكبة. فأن يحظّر مثلا على صاحب المحل أو الحانة أو التاجر إدارة حانة أو محل مباح للجمهور لارتكابه الغش في البضاعة( م 677 وما يليها)، أو لاعتياده على السكر أو تعاطي المخدرات أو لتقديمه المشروبات الروحية إلى قاصر دون الثامنة عشرة من عمره( م 622 وما يليها) لهو أمر طبيعي وفعاّل، إذ أن التحظير يردع الفاعل في هذه الحال ويمنعه من تكرار فعله. لكن الأمر يختلف إذا كانت الجنحة المرتكبة هي جريمة لا تمت بأي صلة للمحل أو للحانة كجنحة اختلاق الجرائم والافتراء مثلا ( م 402 وما يليها) أو كجنحة انتزاع الإقرار والمعلومات بالقوة أو العنف ( م 401 ) أو كجنحة الإفادة الكاذبة ( م 405 ) الخ.

5- أحكام المادة 636 التي تربط جسامة عقوبة السرقة بمقدار قيمة الشيء المسروق.

تنص هذه المادة الجديدة على انه " يعاقب على السرقة التي لم تحدد لها عقوبة خاصة بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثمائة ألف إلى ثلاثة ملايين ليرة... ويعاقب عليها بإحدى هاتين العقوبتين إذا لم تتجاوز قيمة المسروق الخمسمائة ألف ليرة. إذا تجاوزت قيمة المسروق المائة مليون ليرة فيعاقب على السرقة بالأشغال الشاقة المؤقتة وبالغرامة من ثلاثة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة".

إن أمر هذه المادة لعجيب غريب، إذ أنها لا تقوم على أساس منطقي أو قانوني عادل وتنافي، إضافة إلى ذلك، مبدأ تناسب العقوبة مع جسامة الجريمة وخطورتها. فهي تنص على عقوبة الحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وعلى الغرامة من ثلاثمائة ألف إلى ثلاثة ملايين ليرة إذا تجاوزت قيمة المسروق الخمسمائة ألف ليرة. أما إذا لم تجاوز قيمة المسروق الخمسمائة ألف ليرة، فتكون العقوبة إما الحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وإما الغرامة من ثلاثمائة ألف إلى ثلاثة ملايين. وهنا تبرز عناصر اللامنطقية وعدم العدالة في تقدير المشرّع، إذ يكفي أن يحرص الفاعل على سرقة شيء تقل قيمته عن خمسمائة ألف ليرة بمقدار قليل، كأن تكون قيمته مثلا أربعمائة وتسع وتسعين ألف ليرة أو حتى خمسمائة ألف ليرة، حتى لا يعاقب سوى بعقوبة حبس من دون الغرامة أو بعقوبة غرامة من دون الحبس. أما السارق الذي تكون قيمة الشيء الذي سرقه تتعدى الخمسمائة ألف ليرة، كأن تكون قيمتة خمسمائة وخمسة آلاف ليرة، فيعاقب بالحبس وبالغرامة. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان المشرع ذاته يناقض المعيار الذي يعتمده في نص المادة 636 حين ينص على أن عقوبة السرقة قد تكون الحبس أو الغرامة إذا كانت قيمة المسروق لا تجاوز الخمسمائة ألف ليرة. فكيف يمكن في هذه الحال التمييز بين سارق وآخر، لجهة العقوبة الواجب تطبيقها، إذا كانت قيمة المسروق لا تجاوز الخمسمائة ألف ليرة؟ ولماذا تطبق، في هذه الحال، عقوبة الغرامة ضد هذا السارق وتطبق، في المقابل، عقوبة الحبس بحق السارق الآخر الذي يوجد في وضع جزائي مماثل؟

إن هذا الاتجاه التشريعي، عدا عن أنه لا يراعي مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الجريمة، فهو يناقض مبدأ المساواة أمام القانون المكرّس في جميع الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.

أضف إلى ذلك أن الفقرة الثانية من المادة 636 من الاقتراح المشار إليه أعلاه تنص على أنه إذا تجاوزت قيمة المسروق المائة مليون ليرة فيعاقب على السرقة بالأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة من ثلاثة ملايين إلى عشرة ملايين ليرة. ولهذا يمكن أن يوجّه النقد ذاته إلى هذه الفقرة، إذ أنها تناقض مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الجريمة. فيكفي أن تكون قيمة المسروق 99 مليون ليرة حتى لا يعاقب السارق بالعقوبة الجنائية أي بالأشغال الشاقة المؤقتة والغرامة التي قد تصل إلى عشرة ملايين ليرة. وبهذا فان المشرّع يساوي بين السارق الذي تكون قيمة الشيء الذي سرقه خمسمائة ألف ليرة والسارق الذي تكون قيمة الشيء الذي استولى عليه 99 مليون ليرة. وفي مقابل ذلك، فهو يعاقب السارق بالأشغال الشاقة إذا بلغت قيمة المسروق مائة مليون وخمسمائة ألف ليرة مثلا. ما يخلق نوعا من عدم المساواة بينه وبين الشخص الذي سرق شيئا بقيمة مائة مليون ليرة، وما يؤدي إلى بروز وضع ينافي العدالة الجنائية التي تقوم خصوصا على ضرورة العقوبة وعلى تناسبها مع خطورة الجريمة وعلى مبدأ المساواة أمام القانون. فالسرقة هي سرقة، أي جريمة، بغض النظر عن قيمة المسروق لأن ما يؤسس عقوبة هذه الجريمة هو خصوصا العنصر المعنوي الذي تقوم عليه وهو إرادة الاستيلاء على ملك الغير مع العلم المسبق أن هذا الفعل يعاقب عليه القانون وأن الشيء المسروق تعود ملكيته للغير. وعلى هذا لأساس، فان عقوبة السرقة لا تتغير بتغيّر قيمة المسروق بل بتغيّر الظروف التي ارتكبت في ظلها. والعقوبة تشدد إذا ارتكبت السرقة مثلا من قبل عدة أشخاص بالاشتراك معا أو في مكان مأهول أو بواسطة التهديد بالسلاح أو بواسطة التسلّق ودخول المنازل بواسطة مفاتيح مسروقة أو مقلّدة، أو إذا ارتكبت بعد القيام بأعمال عنف أو قتل أو تعذيب الخ. وهذا ما يعتمده قانون الجزاء الفرنسي الذي لا يشدد عقوبة السرقة أو يخففها وفقا لقيمة المال المسروق ( م 311/1 وما يليها من قانون الجزاء الفرنسي)، وإنما وفقا لوجود ظروف مشددة نص القانون عليها.


6- أحكام المادة 398 التي تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة من علم بارتكاب جناية على أمن الدولة ولم يسارع إلى إخبار السلطة.

يلاحظ مدى عدم تطابق العقوبة المخصصة لهذه الجريمة مع جسامتها وخطورتها بالنظر إلى ما تنص عليه المادة 399 من الاقتراح ذاته التي تعاقب بالحبس من شهر( وليس من ثلاثة أشهر) إلى سنة وبالغرامة من مائتي ألف ( وليس من مليون) إلى مليون ليرة ( بدلا من خمسة ملايين ليرة) كل رجل أمن مكلف استقصاء الجرائم أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة. ويظهر هنا بوضوح مدى الإخلال بمبدأ تناسب العقوبات مع خطورة الفعل المرتكب. فرجل الأمن الذي يكون مكلفا أصلا بموجب القانون القيام بمهمات استقصاء الجرائم والتفتيش عن فاعليها وإلقاء القبض عليهم وإبلاغ النيابة العامة عنها فور علمه بوقوعها، يستحق مبدئيا عقوبة أقسى من تلك التي تطبق على المواطن العادي الذي لا يبادر إلى إخبار السلطة عن جناية تمس بأمن الدولة. والمادة 399 تشير صراحة إلى رجل الأمن الذي يتخلّف عن الإخبار عن جريمة علم بوقوعها أي كل جريمة( جناية أم جنحة) بما فيها الجناية الواقعة على أمن الدولة ومن باب أولى هذه الجريمة. وهي، بدلا من أن تنص عل عقوبة قاسية بحق الضابط العدلي أو مساعده أو بحق أي رجل أمن آخر علم بوقوع جريمة ما ولم يبلّغ النيابة العامة عنها، تعاقب هذا الموظف بعقوبة طفيفة حتى أقل طفافة من تلك المخصصة لمعاقبة الفرد العادي الذي لا يقوم بالموجب ذاته( حبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة بدلا من ثلاثة أشهر إلى سنة ومليون ليرة إلى خمسة ملايين). مما يدل على أن المشرع لم يراع مبدأ ضرورة العقوبات وتناسبها مع طبيعة الجريمة ومدى خطورتها.


7- أحكام المادتين 503 و504 التي تعاقب جريمة الاغتصاب بعقوبات قد تكون طفيفة وغير متناسبة مع خطورة الفعل إذا ما قيست بجسامة هذه الجريمة الفظيعة .

فالمادة 503 تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات وبالغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة من واقع شخصا راشدا غير زوجه دون رضاه، باستعمال العنف أو الشدة أو أي وسيلة مؤدية إلى شل مقاومته. وقد تكون هذه العقوبة كافية إذا تعدت حدها الأدنى ( خمس سنوات) وراوحت بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة. وهي العقوبة التي يخصصها قانون الجزاء الفرنسي لجناية الاغتصاب غير المرتكبة مع ظروف مشددة( التشغيل الجنائي لمدة 15 عشر سنة)[11]. لكن ما يثير الاستغراب هو أن المشرع ينص على العقوبة ذاتها في المادة 504 ليعاقب الاغتصاب الواقع على شخص راشد لا يستطيع المقاومة ( معوّق)، بسبب إصابته بعجز جسدي أو بنقص نفسي أو عقلي أو من جراء ما استعمل عليه من ضروب المباغتة والاحتيال. وهو يشبّه بهذا الاغتصاب العادي، أي الاغتصاب الواقع على شخص راشد يتمتّع بكامل قواه الجسدية والعقلية، بالاغتصاب الواقع على شخص معوّق من حيث الخطورة، ما يناقض تماما مبدأ تناسب العقوبة مع خطورة الفعل الجرمي المعاقب عليه بالقانون. فالكل يعلم أن الاغتصاب الذي يقع على معوق يكون أكثر خطورة وأكثر تناقضا مع القيم الأخلاقية المحمية من الاغتصاب الواقع على ضحية تتمتّع بكامل قواها الجسدية والعقلية. ويتأكّد هذا المنحى بنص المادة 222/24 من قانون الجزاء الفرنسي التي تعاقب الاغتصاب الواقع على شخص معوّق بالتشغيل الجنائي لمدة عشرين سنة بدلا من عقوبة التشغيل الجنائي لمدة خمس عشرة سنة المنصوص عليها لمعاقبة الاغتصاب العادي في المادة 222/23 من القانون ذاته.

على صعيد آخر، ورغم أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يجرّم الاغتصاب الواقع على أحد الزوجين من قبل زوجه، دون تفريق ما إذا كان قد ارتكب من قبل الزوج أو من قبل الزوجة، ما يعد خطوة إيجابية ومشجّعة بالمقارنة مع قانون العقوبات الحالي الذي لا يجرّم هذا الفعل، فان العقوبة المانعة من الحرية التي تخصصها الفقرة الثانية من المادة 503 من هذا الاقتراح لمعاقبة الفاعل لا تفي بالغرض المنشود كونها لا تتعدى الثلاثة أشهر حبس كحد أقصى ( شهر إلى ثلاثة أشهر). وهي بذلك لا تكون فعّالة وقد تشجّع الزوج على ارتكاب هذا الفعل لعلمه المسبق بطفافة العقوبة التي قد تنزل أو لا تنزل به. وبذلك يخالف هذا الوضع التشريعي مبدأ ضرورة العقوبات وتناسبها مع جسامة الفعل الجرمي خصوصا وأن جريمة الاغتصاب تعد في المجتمعات الراقية من الجرائم الأكثر خطورة ومن الجرائم التي يعاقبها المجتمع بأشد العقوبات حتى ولو ارتكبت من قبل الزوج ضد زوجه. وهذا ما هو مطبق في التشريع الفرنسي حيث لا تفرّق نصوص قانون الجزاء، التي تعاقب هذه الجريمة، بين الاغتصاب المرتكب على الغير والاغتصاب المرتكب من الزوج على زوجه، إذ أن العقوبة المنصوص عليها لمعاقبة فاعل الاغتصاب هي ذاتها في كلا الحالين[12].


باء : مخالفة المشرّع لمبدأ المساواة أمام القانون

كرّس الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان، الصادر عن الأمم المتحدة، مبدأ المساواة أمام القانون في المادة السابعة منه التي تنص على أن " كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أي تفرقة". كما جاء التأكيد على المبدأ ذاته في المادة 26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص علىا أن " جميع الأشخاص متساوون أمام القانون ومن حقهم التمتع دون أي تمييز وبالتساوي بحمايته". كما جاء أيضا في المادة السادسة من شرعة حقوق الإنسان الصادرة في سنة 1789 أن " القانون هو ذاته لجميع الأفراد سواء كان يؤمّن لهم الحماية أم يعاقبهم". ويلزم الدستور اللبناني على هذا الصعيد باحترام مبدأ المساواة بموجب مادته السابعة التي تنص على أن " كل اللبنانيين سواء لدى القانون".

وعلى هذا الأساس لا يجوز للمشرّع أن يفرّق في نصوص قانون العقوبات بين شخص وآخر، لجهة التجريم والعقاب، إلا على أساس من المعايير الموضوعية التي تحتّمها شخصية فاعل الجريمة أو وضعه العقلي أو الظروف ( المشددة أو المخففة) والأعذار التي ارتكب فعله الجرمي في ظلها. وهذا يعني أن لقانون العقوبات صفة عامة ومجرّدة. وهو، مبدئيا، لا يميّز، لجهة التجريم والعقاب، بين فقير وغني أو بين ضعيف وقوي أو بين شخص قصير وآخر طويل أو بين مؤمن بالله وغير مؤمن به أو بين رجل وامرأة أو بين صاحب هذه العقيدة وصاحب العقيدة الأخرى أو بين مؤيد وغير مؤيد للنظام الحاكم الخ. وهذا ما جاء التأكيد عليه في كتاب العلامتين الجزائيين الفرنسيين مارل وفيتو على الشكل الآتي:

« Le principe de l’égalité des justiciables devant la règle pénale signifie qu’il n’y a pas de privilèges. La loi pénale a un caractère général et commun à tous les justiciables quels qu’ils soient : les riches et les puissants aussi bien que les humbles, les amis du pouvoir établi autant que les opposants, doivent subir l’application des textes répressifs, sous les seules réserves de l’individualisation de la peine. La justice dite de « classe », les discriminations fondées sur des critères politiques, économiques ou sociaux, sont donc théoriquement exclus »[13].


ومن خلال قراءة اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات اللبناني يتبيّن أن بعض أحكامه تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون في بعض المواضع الجزائية وأهمها على سبيل المثال وليس الحصر: سقوط دعوى الحق العام في جرائم القدح والذم، معيار تحديد عقوبة القدح والذم، عدم إمكان إقامة الدليل على صحة الأمر المنسوب إلى رئيس الدولة، عدم تأمين الحماية الجزائية اللازمة للمحامي في جرائم الاعتداء على الأموال بهدمها.


- في سقوط دعوى الحق العام في جرائم القدح والذم.


تنص المادة 133 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على أنه " يسقط الحق العام، تبعا لإسقاط الحق الشخصي، إذا حصل هذا الإسقاط قبل الحكم المبرم في الدعوى وإذا كان صريحا، وغير معلّق على شرط، وصادرا عن جميع المدّعين الشخصيين في حال تعددهم في الجرائم الآتية:

... 2 – في جرائم الذم والقدح الواقعة على الأفراد ما خلا منهم موظفي الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والهيئات المنظمة والقضاة بسبب وظائفهم أو صفاتهم وعلى النواب والوزراء، وعلى رئيس الدولة...".

ويظهر واضحا خرق مبدأ المساواة أمام القانون في نص هذه المادة، إذ أنها تقضي بسقوط دعوى الحق العام في جرائم القدح والذم الواقعة على الأفراد ولا تجيز في المقابل سقوط هذه الدعوى إذا كانت الجريمة ذاتها واقعة على موظفي الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والجيش والهيئات المنظمة والقضاة حين يكون القدح أو الذم موجها إليهم بسبب وظائفهم أو صفاتهم الوظيفية أي سواء كان الجرم واقعا عليهم خلال قيامهم بوظائفهم أو خارج قيامهم بهذه الوظائف. وبهذا فان المشرّع يفرّق بين فرد وآخر لجهة العقاب والتجريم استنادا إلى صفة الشخص الواقعة عليه جريمة القدح والذم. فإذا كان فعل الذم أو القدح يطال من رجل دين أو من أستاذ جامعي أو من موظف في شركة أو من أي فرد عادي، يسقط الحق العام ولا يلاحق الفاعل بمجرّد إسقاط المتضرر حقه الشخصي. أما إذا كان القدح أو الذم يمس بموظف في إدارة أو في مؤسسة عامة أو في بلدية أو في الجيش أو بقاض، فحينئذ تكون المصيبة الكبرى ويلاحق الفاعل ويعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين ليرة حتى ولو أسقط المتضرر حقه الشخصي.

أضف إلى ذلك أن المادة ذاتها تخالف مبدأ المساواة أمام القانون بنصها على ربط سقوط الدعوى العامة، في جرائم القدح والذم الواقعة على موظفي الإدارات العامة، بأن تكون الجريمة مرتكبة ضدهم بسبب وظائفهم أو صفاتهم، في حين أنها لا تنص على الشرط ذاته في ما خص الذم أو القدح الموجّه إلى الوزير أو إلى النائب أو إلى رئيس الدولة. وهذا يعني أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات لا يجيز سقوط دعوى الحق العام تبعا لإسقاط الحق الشخصي في جرائم القدح والذم الواقعة على الوزراء أو النواب أو رئيس الدولة حتى ولو لم يكن القدح أو الذم الموجّه إليهم على علاقة بوظيفتهم أو بصفتهم.

إن هذا الوضع التشريعي يحمل اعتداء واضحا على مبدأ المساواة أمام القانون، إذ أن فعل القدح أو الذم لا تتغيّر خطورته بتغيّر صفة الشخص المتضرر منه ولا ينال تاليا من الإدارة التي ينتمي إليها الموظف أو المؤسسة العامة التي يقوم بوظائفه فيها. فخطورة فعل القدح أو الذم تقاس بالنظر إلى مدى ما ألحقه من ضرر بشرف الشخص الموجّه إليه أو بسمعته أو بكيانه المعنوي بغض النظر عن الوظيفة التي يقوم بها. وهذا ما يبدو واضحا في التشريع الفرنسي حيث ربط قانون المطبوعات الصادر في 29 تموز 1881 تحريك دعوى الحق العام في جرائم القدح والذم بشكوى المتضرر ( م 48 ) مهما كانت صفة الشخص المتضرر[14]. ويعتبر الاجتهاد الفرنسي هذا الشرط متعلقا بالنظام العام بحيث أن تحريك الدعوى العامة من دون شكوى المتضرر يؤدي إلى بطلان الإجراءات الجزائية المنفذة بطلانا مطلقا[15]. أضف إلى ذلك أن المادة 49 من قانون المطبوعات الفرنسي المذكور أعلاه تنص صراحة على أن سحب شكوى المتضرر يؤدي إلى سقوط دعوى الحق العام بغض النظر عن صفة الشخص المتضرر[16]:

« Dans tous les cas de poursuites correctionnelles ou de simple police, le désistement du plaignant ou de la partie poursuivante arrêtera la poursuite commencée » ( article 49 de la loi du 29 juillet 1881)[17] .


- في معيار تحديد عقوبتي الذم والقدح

تنص المادة 386 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على أنه يعاقب على الذم الحاصل بإحدى الوسائل المعيّنة في المادة 209 [18] "- بالحبس من ثلاثة اشهر إلى سنة وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين إذا وقع على قاض أو على موظف أو على شخص مكلف بخدمة عامة وكان ذا صلة بصفة من وجّه اليه أو بوظيفته أو بخدمته بالحبس ثلاثة أشهر على الأكثر وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة إذا وقع على أي موظف آخر أو على شخص مكلف بخدمة عامة وكان لذلك علاقة بصفته أو بوظيفته أو بخدمته " .

تظهر مخالفة مبدأ المساواة أمام القانون بوضوح من خلال أحكام هذه المادة من الاقتراح المذكور أعلاه. فهي تنص على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين ليرة إذا وقع الذم على قاض أو موظف أو على شخص مكلف بخدمة عامة وكان له صلة بصفته أو بخدمته، ثم أنها تنص على عقوبة الحبس بثلاثة أشهر على الأكثر وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة إذا وجّه الذم إلى موظف آخر أو إلى شخص مكلف بخدمة عامة وإذا كان الذم على صلة بصفته أو بخدمته. ويلاحظ بوضوح أن النص المذكور يعاقب الذم الواقع على شخص يقوم بخدمة عامة مرتين بعقوبة مختلفة في كل مرة. أضف إلى ذلك أنه يعاقب في الفقرة الأولى الذم الموجّه إلى الموظف دون أن يحدد صفته بالكامل ويعاقب في الفقرة الثانية من النص ذاته الموظف الآخر بعقوبة أخف من تلك المنصوص عليها في الفقرة الأولى ( ثلاثة أشهر حبس على الأكثر بدلا من ثلاثة أشهر إلى سنة) دون أن يحدد صفة هذا الموظف أو الإدارة أو المؤسسة التي ينتمي إليها لتفريقه عن الموظف المعني بهذه الفقرة. ما يشكّل غموضا وتناقضا واضحا في أحكام هذا النص ومخالفة فاضحة لمبدأ المساواة أمام القانون.

ويتحقق التناقض ذاته والاعتداء على مبدأ المساواة أمام القانون بنص المادة 388 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات التي تجرّم فعل القدح والتي تعيد نسخ نص المادة 386 حرفيا مع هذا الفارق البسيط وهو أن العقوبة المخصصة لفعل القدح الموجّه إلى رئيس الدولة هي الحبس من شهرين إلى سنة ، أما العقوبة التي يمكن إنزالها بالفاعل، في حال القدح الموجّه إلى قاض أو موظف يمارس سلطة عامة أو إلى شخص مكلف بأداء خدمة عامة وكان ذا صلة بصفة من وجّه إليه أو بوظيفته أو بخدمته العامة، فهي الحبس من شهر إلى ستة أشهر. ويلاحظ، كما هي الحال بالنسبة لنص المادة 386 ، أن الفقرة الأخيرة من المادة 388 تنص على عقوبة الحبس شهرا على الأكثر أو بالغرامة من مائتي ألف ليرة إلى مليون ليرة إذا وجّه إلى موظف آخر أو إلى شخص مكلف بخدمة عامة وكان ذا صلة بصفة من وجّه إليه أو بوظيفته أو بخدمته العامة. وبهذا فان نص المادة 388 يخالف هو أيضا مبدأ المساواة أمام القانون، إذ أنه يعاقب في الفقرة الثانية منه القدح الموجّه إلى شخص مكلف بأداء خدمة عامة بالحبس من شهر إلى ستة اشهر ويعاقب القدح ذاته، في الفقرة الأخيرة منه، بعقوبة مختلفة ( الحبس شهرا على الأكثر أو الغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة). وهو إضافة إلى ذلك لا يحدد صفة الموظف الموجّه إليه القدح لا في الفقرة الثانية منه ولا في الفقرة الأخيرة من النص ذاته.


- في عدم إمكان إقامة الدليل على صحة الأمر المنسوب إلى رئيس الدولة

جاء في المادة 387 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أنه " لا يقبل من مرتكب الذم إقامة الدليل على صحة الأمر الذي نسبه إلى رئيس الدولة.

أما الذم الذي يوجّه إلى موظف أو إلى أحد متولي السلطة العامة فيقبل الدليل عليه إذا حصل عن حسن نية ولم يتعد أعمال الوظيفة أو الخدمة العامة.

تمنع المحاكمة عن مرتكب الذم أو يبرأ إذا أثبت صحة كل فعل اسنده إلى أحد الموجّه إليهم من المشمولين في الفقرة الثانية".

ينتج من هذه المادة أن المشرع يميّز بين الذم الموجّه إلى رئيس الدولة والذم الموجّه إلى موظف أو أحد متوليّ السلطة العامة. فإذا كان الذم موجها إلى رئيس الدولة لا يقبل من مرتكبه إقامة الدليل على صحة الأمر الذي نسبه إليه، أي أن صحة الفعل الذي يؤلّف ذما بحق رئيس الدولة لا يشكّل للفاعل سبب تبرير يمنع عنه المحاكمة أو العقاب الجزائي. أما إذا كان الذم موجها إلى موظف أو إلى أحد متولي السلطة العامة فيقبل الدليل عليه إذا حصل عن حسن نية ولم يتعد أعمال الوظيفة أو الخدمة العامة.

ويظهر جليا أن نص المادة 387 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات المأخوذ عن قانون العقوبات الحالي يخالف مبدأ المساواة أمام القانون، وذلك لأنه لا يعطي لفاعل الذم حق إثبات صحة الأمر الذي ينسبه إلى رئيس الدولة. مما يعني أن ليس من حق أي فرد أن ينسب إلى رئيس الجمهورية أي أمر حتى ولو كان صحيحا وحتى ولو كان هذا الأمر يضر بمصلحة الأمة أو يطال من أمنها أو سيادتها أو يعرّض مصالحها للخطر أو يحمل اعتداء على مقومات الوطن وقدراته. ويلاحظ هنا مدى خطورة هذا التشريع على حرية الرأي وحرية الصحافة، إذ أنه يضيّق في الدرجة الأولى على حرية إبداء الرأي قولا أو كتابة ويشابه تشريعات الدول ذات النظام الواحد أو النظام القائم على الديكتاتورية وعلى خنق الحريات. وهو حتى في ما خص الذم أو القدح الواقع على موظف أو على أحد متولّي السلطة العامة، لا يتيح للفاعل إقامة الدليل على صحة الأمر الذي نسبه إلى الموظف أو إلى أحد متولّي السلطة العامة إلا إذا كان حسن النية . وشرط حسن النية هذا أضافه المشرّع على نص المادة 387 المأخوذ عن قانون العقوبات الحالي، إذ أن هذا القانون الأخير لا يجعل من حسن النية شرطا للتمكن من إثبات صحة الأمر المنسوب إلى الشخص الموجّه إليه الذم.


فعلى صعيد الأمر المنسوب إلى رئيس الدولة، لا بد من التسليم بضرورة تجريم فعلي القدح والذم الواقعين على شخصه، لما لمركز رئاسة الدولة من أهمية دستورية ولما توجبه الرئاسة تاليا من حماية ضد كل اعتداء غير مبرر أو انتهازي وان كان هذا المقام لا يشبّه في النظام السياسي اللبناني بالمركز الفخري المجرّد من كل صلاحية دستورية. ولكن قد يكون من غير المنطقي التحظير على المواطن العادي أو على الصحافي إبداء رأيه في هذه المسألة العامة أو تلك أو إسناد أمر ما إلى رئيس الدولة، إذا كان هذا الأمر صحيحا، حتى ولو كان يسيء إلى سمعته. فصحة الأمر المنسوب إلى رئيس الدولة تنفي عنه صفة الذم، أي انه لا يجوز أن يوصف الأمر الصحيح المسند إليه بالقدح أو بالذم طالما تم إثبات صحته. وخصوصا أن الدستور اللبناني يمنح رئيس الجمهورية العديد من الصلاحيات الدستورية التي تخوّله ممارسة سلطات محددة، ما يفترض خضوعه لمبدأ المساءلة في حال ارتكابه خطأ ما أو في حال مخالفته أحكام الدستور وما يبرر تاليا إسناد بعض الأمور أو الأخطاء إليه. والدليل على ذلك ما ينسب يوميا إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في الصحافة الفرنسية، من أفعال جرمية يزعم ارتكابها قبل توليه مقاليد الرئاسة ويعاقب القانون عليها كالتمويل غير المشروع لحزبه يوم كان رئيسا لبلدية باريس، أو كصرف الأموال العامة أو هدرها أو استعمالها لحسابه الخاص، أو كأعمال التزوير في انتخابات بلدية باريس بتسجيل أصوات وهمية. ولكن،رغم هذه الاتهامات العلنية التي وجهت إليه في غياب أي حكم قضائي، لم يلاحق أي صحافي أو أي شخص في فرنسا بجرم القدح أو الذم الموجّه إلى رئيس الجمهورية وذلك لأن من جهة تعتبر الملاحقات من هذا النوع تضييقا على حرية الرأي والتعبير، ولأن من جهة أخرى يحق للفاعل، بموجب قانون المطبوعات الفرنسي الذي أشرنا إليه سابقا، أن يثبت حقيقة الأمر الذي يعزوه إلى أي شخص بمن فيهم رئيس الدولة كي تكف عنه الملاحقة الجزائية. وبالفعل فان المادة 35 ، الفقرة الثالثة، من قانون المطبوعات الفرنسي الصادر في 29 تموز 1881 تنص على انه، ما عدا حالات القدح أو الذم المتعلّق بالحياة الشخصية للمتضرر أو المتعلّق بأمر وقع قبل أكثر من عشر سنوات أو بأمر يؤلّف جريمة مشمولة بعفو عام أو ساقطة بمرور الزمن على الدعوى العامة أو يؤلّف جريمة حكم على فاعلها بموجب حكم نهائي أو تم إعادة اعتباره بعد الحكم عليه، يجوز إقامة الدليل على صحة الأمر المنسوب إلى الشخص الواقع عليه القدح أو الذم:

« L’ordonnance du 6 mai 1944 a complété l’article 35 alinéa 3 de la loi du 29 juillet 1881 aux termes duquel « la vérité des faits diffamatoires peut toujours être prouvée, sauf … ». On aurait bien pu prêter à l’adverbe « toujours » une signification relative, et penser que le texte nouveau venait seulement limiter encore plus étroitement le domaine d’application du fait justificatif jusque là admis, les deux premiers alinéas de l’article 35, non abrogés, gardent le même intérêt que par le passé. Mais c’est l’interprétation contraire qui a prévalu. L’adverbe a reçu sa pleine valeur, et la preuve de la vérité des faits diffamatoires a été étendue à toutes les formes de diffamation, même pour celles commises envers de simples particuliers, sauf dans les cas visés au nouvel alinéa 3 de l’article 35 »[19].

وبهذا يتبيّن أن نص المادة 387 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يحمل اعتداء ليس فقط على مبدأ المساواة أمام القانون، وإنما أيضا على حرية الرأي والتعبير. وهو يشكّل على هذا النحو أداة تمنع الدولة بموجبها توجيه أي انتقاد إلى رئيس الجمهورية أو أي لوم تحت طائلة اعتباره جريمة قدح أو ذم يعاقب عليها القانون، مما يذكّرنا بسياسة كم الأفواه المتّبعة في عدد من البلدان المجاورة للبنان.


- في عدم تأمين الحماية اللازمة للمحامي في جرائم الاعتداء على الأموال بهدمها.

تعاقب المادة 730 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى مليوني ليرة أو بالتوقيف التكديري والغرامة نفسها كل من اقدم قصدا على هدم أو تخريب أو إتلاف بناء أو شيء منقول يملكه غيره. وترفع المادة 732 من الاقتراح ذاته العقوبة إلى الحبس من سنة إلى سنتين والى الغرامة من مليون ليرة إلى ثلاثة ملايين ليرة إذا ارتكبت الجريمة ذاتها للإضرار بقاض أو بأحد موظفي الدولة أو بأي شخص متمتع بسلطة عامة أو مكلف بتأمين خدمة عامة بقصد التأثير على أدائه في ممارسة وظيفته أو مهمته.

يتبيّن من خلال مراجعة نص المادة 732 المذكورة أعلاه أن المشرّع لا يشدد العقوبة صراحة إذا وقعت جريمة الاعتداء على الأموال بهدمها بقصد الإضرار بمحام والتأثير على أدائه في ممارسة مهنته. وهذا رغم أن مهنة المحاماة تستوجب حماية من يقوم بها بذات الفعالية التي يحمي بموجبها القانون القضاة وموظفي الدولة، لأن المحامي يتعرّض لذات المخاطر التي يتعرّض لها هؤلاء في أدائه لمهنته كمساعد في تحقيق العدالة وفي إحقاق الحق. ولهذا فان استثناء المحامين من هذا النص يشكّل مخالفة لمبدأ المساواة أمام القانون إلا إذا كان المشرّع أراد أن يشمل المحامي بحمايته حين نص على تشديد العقوبة في حال وقعت جريمة الاعتداء على الأموال بهدمها للتأثير على شخص متمتع بسلطة عامة أو مكلف بتأمين خدمة عامة. فهل يعتبر المحامي شخصا مكلّفا بتأمين خدمة عامة؟


جيم : تبرير بعض الأفعال الجرمية إذا ارتكبت إنفاذا لأمر غير شرعي.


تبرّر الفقرة الأولى من المادة 185 من اقتراح تعديل قانون العقوبات الفعل الجرمي المرتكب إنفاذا لنص قانوني أو لأمر شرعي صادر عن السلطة المختصة. وهذا يعني أن الفعل لا يعد جريمة إذا ارتكب إنفاذا لنص قانوني أو لأمر شرعي صادر عن سلطة شرعية ومختصة.

غير أن الفقرة الثانية من المادة ذاتها تنص، بشكل مخالف لحقوق الإنسان، على أنه " إذا كان الأمر الصادر غير شرعي برّئ الفاعل إذا لم يجز له القانون أن يتحقق من شرعيته أو لم يكن في وسعه التحقق من ذلك".

أن يقرر المشرّع تبرير الفعل الجرمي المرتكب تنفيذا لأمر غير شرعي إذا كان القانون لا يجيز لفاعله التحقق من شرعيته، لهو أمر يمكن تفهّمه ولو على مضض مع العلم أن القانون الذي لا يجيز للمأمور التحقق من شرعية الأمر الموجّه إليه يكون قانونا غير عادل ولا يعمل به إلا في البلدان ذات الأنظمة العسكرية والديكتاتورية. أما أن ينزع المشرّع عن الجريمة المرتكبة صفتها الجرمية حتى في الحال الذي يكون فيها الأمر غير شرعي إذا لم يكن في وسع الفاعل التحقق من شرعية هذا الأمر، فان ذلك يؤلّف خرقا صارخا لمبادئ العدالة والإنصاف ويحمل اعتداء خطرا على الحرية الفردية وحتى على سلامة المواطن وأمنه.

إن الغاية من وراء هذا النص هي تبرير كل الأفعال غير الشرعية التي ترتكبها السلطة أو التي تأمر موظفيها ورجال الأمن أو الجيش بارتكابها وذلك تحت ستار عدم تمكّن الفاعل من التحقق من شرعية الأوامر الموجّهة إليه من السلطة التي يعمل تحت إمرتها. فكيف يمكن أن تقدّر مسألة تمكّن أو عدم تمكّن الفاعل من التحقق من شرعية الأمر الذي نفّذه وبالاستناد إلى أي معيار؟ وكيف يمكن التحقق فعلا من هذا الأمر وخصوصا أن المسألة المطروحة هي صرف مادية ويعود لقاضي الموضوع وحده تقديرها دون رقابة محكمة التمييز. أضف إلى ذلك أن بعض القوانين كالقوانين العسكرية تلزم الشخص المأمور( العسكري) تنفيذ الأوامر تحت طائلة معاقبته. فهل يجوز هنا تبرير الجريمة المرتكبة تنفيذا لأمر غير شرعي، وان كانت صفته غير الشرعية معروفة من المأمور أو ظاهرة علانية، بحجة أن هذا الأخير يكون ملزما بتنفيذ أوامر رؤسائه؟ طبعا لا ، وإلا كان من غير الإمكان ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجنايات ضد الإنسانية أو جنايات الإبادة أو غيرها من الجرائم البشعة التي ارتكبتها العديد من الأنظمة الديكتاتورية والنازية في العالم.

إن التسليم بفكرة التبرير، في هذه الحال، يعني أن المشرع يبيح للسلطة الحاكمة القتل والجرح والتنكيل بالمواطن أو بغيره وترهيبه وحجز حريته دون حسيب أو رقيب في ظل نظام قانوني يمنع تجريم الفعل المرتكب وملاحقة فاعله.

واستنادا إلى هذه السياسة الجنائية الخطرة أضيفت هذه الأحكام الجديدة على الفقرة الثانية من 185 من قانون العقوبات الحالي التي لا تنص، بصيغتها الحالية، على تبرير الفعل غير الشرعي إذا لم يتمكّن الفاعل من التحقق من شرعيته. لذلك ربما تساعد هذه الفقرة الجديدة السلطة في المستقبل على تبرير قمع المظاهرات الطلابية المسالمة وعلى التنكيل بالمشتركين فيها، فتبرر أفعال الحرمان من الحرية غير القانونية وأعمال تعذيب هؤلاء الطلاب وترهيبهم ورشهم بخراطيم المياه الساخنة وحتى قتلهم أو جرحهم. من يدري؟

إن في هذا النص خطوة خطيرة في طريق تبرير خنق الحريات والقمع السياسي، ما ينافي المبادئ الأساسية المعمول بها في الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وخصوصا تلك التي توجب محاكمة ومعاقبة كل شخص من أجل فعل ارتكبه، ويعتبر وقت ارتكابه جريمة وفقا للمبادئ العامة للمجتمع الدولي. وقد أتى التأكيد على هذه المبادئ في المادة 15/2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن " ليس ما يحول دون محاكمة أو معاقبة أي شخص من أجل أي فعل أو امتناع عن فعل إذا كان ذلك يعتبر وقت ارتكابه جريمة طبقا للمبادئ العامة للقانون المقررة في المجتمع الدولي".

وفي هذا السياق لا يوافق الفقه الجزائي الفرنسي على تبرير الجريمة المرتكبة تنفيذا لأمر السلطة غير الشرعي وخصوصا إذا كانت عدم شرعية هذا الأمر ظاهرة للعيان:

« Le commandement illégal d’une autorité légitime ne peut, par lui-même, justifier l’infraction commise par le subordonné docile ; car il n’est au pouvoir d’aucune autorité publique, si élevée soit-elle dans la hiérarchie, de rendre conforme au droit par une seule volonté ce qui lui est contraire. Par contre, la justification n’apparaît plus aussi radicalement insoutenable si l’on considère le problème du côté de l’exécutant ; car, par hypothèse, l’agent d’exécution est légalement tenu d’obéir aux ordres de son supérieur hiérarchique ; et l’on peut se demander si ce devoir d’obéissance, imposé par la loi, n’est pas de nature à légitimer l’infraction. Mais il faudrait supposer pour cela que le législateur n’a assigné aucune limite au devoir d’obéissance, qu’il a soumis fonctionnaires et militaires à la fameuse règle jésuitique perinde ac cadver[20] , et que, sacrifiant délibérément la légalité à la discipline, il a accepté le risque de toutes les infractions pénales imputables à l’obéissance passive des agents publics. L’absurdité de ces suppositions conduit à affirmer qu’en aucune manière, dans la rigueur des principes, le commandement illégal de l’autorité ne peut constituer un fait justificatif »[21].

وهذا ما درجت أيضا الغرفة الجزائية في محكمة النقض الفرنسية على تطبيقه وان كانت الفقرة الثانية من المادة 122/4 من قانون الجزاء الفرنسي تشير إلى تبرير الفعل الجرمي إذا كانت عدم شرعية الأمر المطلوب تنفيذه غير ظاهرة بصورة علنية :

« Doit être écartée l’argumentation du prévenu ( un policier), qui affirme avoir agi sur commandement de l’autorité légitime, dans les termes de l’article 327 du code pénal( art. 122/4 du Nouveau Code pénal), alors qu’il avait frappé la victime, qui, loin de se rebeller, se bornait à protester contre l’opération de contrôle d’identité et la mesure de garde à vue dont elle était l’objet »[22].



دال : في الأعذار القانونية.


ينص قانون العقوبات الحالي على نوعين من الأعذار الجزائية: العذر المحل والعذر المخفف.

ويعتمد اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات الاتجاه ذاته بنصه على هذين العذرين في المادتين 250 و251 منه.

يؤدي العذر المحل إلى إعفاء فاعل الجريمة أو المساهم في ارتكابها من العقاب، أما العذر المخفف فتكون نتيجته، في حال اعتماده، تخفيض عقوبة مقترف الجريمة. وقد نصت المادة 250 من الاقتراح المذكور أعلاه على أنه " يعفي العذر المحل مقترف الجريمة من العقاب. غير أنه لا يحول، عند الاقتضاء، دون إنزال تدابير الإصلاح أو الاحتراز به ما خلا العزلة". كما جاء في المادة 251 من الاقتراح ذاته أنه " يخفض العذر المخفف من عقوبة مقترف الجريمة. إذا كانت جناية عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد خفضت إلى سنة حبس على الأقل وسبع سنوات أشغالا شاقة مؤقتة أو اعتقالا مؤقتا على الأكثر. وإذا كانت جناية أخرى خفضت إلى ستة أشهر حبس على الأقل وخمس سنوات أشغالا شاقة أو اعتقالا مؤقتا على الأكثر. وإذا كانت جنحة فتخفض إلى الحبس ستة أشهر على الأكثر. وإذا كانت مخالفة فتفض إلى نصفها على الأكثر. ما خلا العزلة لا يحول العذر المخفف دون إنزال تدابير الإصلاح والاحتراز بمقترف الجريمة".

والأعذار المحلة هي أسباب قانونية للإعفاء من العقاب على الرغم من قيام أركان الجريمة كافة ومن توفر مسؤولية فاعلها والمشترك في ارتكابها. وبذلك فان العذر المحل يفترض وجود جريمة متوافرة الأركان وتحققها بفعل شخص مسؤول، ولكنه يحول دون أن توقّع العقوبة المخصصة لها قانونا على مقترفها[23]. وينطبق التعريف ذاته على العذر المخفف ما عدا النتيجة التي يؤدي إليها وهي تخفيف العقوبة المنصوص عليها وليس الإعفاء منها.

وعلى غرار قانون العقوبات الحالي، نص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على العديد من الأعذار المحلة كالعذر المحل الذي يستفيد منه من اشترك في مؤامرة وأخبر السلطة بها قبل البدء بتنفيذها ( م 272 )، أو كالعذر الذي يستفيد منه من اشترك في تأليف جمعية أو عصابة بقصد ارتكاب الجنايات عل حياة الناس أو سلامتهم أو أموالهم وأخبر السلطات بها قبل تنفيذ إحدى الجنايات المنوي ارتكابها ( م 335 )، أو كالعذر الذي يعفي من العقاب الشخص الذي اشترك في ارتكاب جرائم تقليد وتزوير العملة والأسناد العامة والطوابع وأخبر السلطة المختصة بها قبل بدء الملاحقة الجزائية( م 452 )، أو كالعذر الذي يعفي من العقاب من أخفى شخصا أو ساعده على الاختفاء مع علمه أنه أقترف جناية إذا كان من أخبأه أو ساعده أحد أصوله أو فروعه أو زوجه ولو طالقا أو اخوته أو أصهاره ( م 222 ) الخ. كما أنه نص على كثير من الأعذار المخففة كتخفيض عقوبة المحرّض على تأدية شهادة الزور حتى نصفها إذا ثبت أنه يتعرّض فيما لو قال الشاهد الحقيقة أو أحد أصوله أو فروعه أو اخوته أو أخواته أو أصهاره لخطر جسيم يمس الشرف أو السمعة أو النفس أو الجسد ( م 410 )، أو تخفيض عقوبة مرتكب تزوير العملات أو الأسناد العامة أو أوراق التمغة والطوابع إذا أبلغ السلطات المختصة عن هذه الجرائم بعد بدء الملاحقة الجزائية ولكن قبل بدء التحقيق ( م 452 ).

ويظهر أن العبرة من هذه الأعذار المحلة تكمن، من جهة، في مكافأة الفاعل على الخدمة التي أسداها إلى المجتمع بكشفه عن جريمته والمساهمين فيها، وهي خدمة يراها المشّرع في بعض الجرائم هامة، لأنها جرائم تتسم بالخفاء وتتجرد من المظاهر المادية التي تلفت إليها نظر السلطات العامة، وفي ، من جهة ثانية، الحفاظ على صلات المودة بين ذوي القربى والأصهار، وفي أيضا تشجيع المجرم على عدم المضي في مشروعه الجرمي حتى نهايته كي يقف فيه مجنبا بذلك المجتمع أضرارا كان مهددا بها( في جرائم تزوير العملة والأسناد مثلا).

وإذا كانت هذه الأعذار مبررة ببعض المصالح العليا، فان هناك بعض الأعذار المحلة والمخففة التي نص عليها اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات والتي لا فائدة منها، بل أنها تشجّع على الإجرام وتخالف حقوق الإنسان المعترف بها في الاتفاقات والعهود الدولية. ومن هذه الأعذار خصوصا العذر المحل المنصوص عليه في المادة 522 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات والمأخوذ عن نص المادة 522 من قانون العقوبات. وهو يقضي بسقوط الملاحقة الجزائية في جرائم الاعتداء على العرض، كجرائم الاغتصاب والفحشاء والخطف والإغواء والتهتك وخرق الأماكن الخاصة بالنساء، إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى هذه الجرائم والمعتدى عليها. وبهذا فان المشرّع يجعل، في هذه الحالات، من عقد الزواج عذرا يحل فاعل الجريمة من العقاب الجزائي ويشجّع بذلك الإجرام عن طريق إسقاط الملاحقات الجزائية المتعلقة بجرائم خطرة على الفرد وعلى المجتمع كجريمة الاغتصاب خصوصا، ويقلل، إضافة إلى ذلك، من شان المرأة بعدم حماية مصالحها وباعتبارها سلعة في بزار الزواج الجبري.

أما بالنسبة للأعذار المخففة، فلا بد من الإشارة إلى عذر المادة 562 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات الذي يقضي بتخفيف عقوبة الزوج الذي فاجأ زوجه، في حال التلبس بالزنى، فأقدم على قتله وشريكه أو على إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما. ورغم أن هذه المادة لا تفرّق، لجهة الزنى، بين الرجل والمرأة، وذلك على عكس المادة 562 من قانون العقوبات الحالي التي تنص على هذا العذر لمصلحة الرجل فقط، فان العذر المذكور لا يتوافق، بحد ذاته، مع ما نصت عليه الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان كونه يحلل بطريقة ما القضاء على حياة إنسان أو جرحه وذلك بإحالته على نص المادة 251 من الاقتراح ذاته التي تخفض عقوبة الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد إلى سنة حبس على الأقل وسبع سنوات أشغالا شاقة على الأكثر، ما يعتبر عقوبة جد طفيفة بالنظر إلى خطورة الجريمة المرتكبة وجسامتها ( القتل قصدا ). وعلى هذا الأساس، فان هذا العذر يخالف الحق في الحياة وفي السلامة الجسدية المكرّس في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان التي تنص على أن " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"[24]. فبدلا من أن يضمن المشّرع حماية الناس في حياتهم وسلامتهم الشخصية، فهو يشجّع بطريقة ما على استيفاء الحق بالذات وعلى الثأر الشخصي غسلا للعار ودفاعا عن الشرف المروم. وبهذا فان المشّرع اللبناني لا زال يعيش تحت تأثير التقاليد والعادات القديمة التي كان معمولا بها في عصر الجاهلية، ولا زالت نظرية الشرف تحتل في ناموسه مساحة لا يستهان بها في وقت جد متقدّم من عمر المجتمعات[25]. والدليل على ذلك أيضا هو أنه لا زال يعطي أهمية كبرى للدافع الشريف الباعث على ارتكاب الجرائم وذلك في المادة 193 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات التي تنص على تخفيض عقوبات الجرائم إذا كان الدافع إليها شريفا[26].


هاء : في تطبيق القوانين الجزائية من حيث الزمان.


يقضي المبدأ الجزائي العام بان لا تسري قوانين التجريم والعقوبات( القوانين الجزائية) إلا على الأفعال التي تقع بعد دخولها حيز التنفيذ. وهذا يعني أن القوانين المذكورة لا تطبق على الأفعال الجرمية المرتكبة قبل بدء سريانها إذا كانت أشد قسوة من تلك التي كانت سارية في وقت ارتكاب الفعل الجرمي. ويعبّر عن هذا الوضع الجزائي بمبدأ عدم رجعية القوانين الجزائية ( أو قوانين العقوبات) ( La non-rétroactivité des lois pénales de fond ). ولا يستثنى من هذا المبدأ سوى الحال التي يكون فيها القانون الجديد الأحسن للمدعى عليه أو الأخف وطأة أو شدة من القانون الذي كان ساريا وقت ارتكاب الجريمة المسندة إليه. وهذا ما يعرف بمبدأ رجعية القانون الجديد الأقل صرامة من القانون القديم ( Le principe de la rétroactivité in mitius). وتطبق هذه القاعدة في التشريع الفرنسي توافقا مع نص المادة السابعة من الاتفاق الأوروبي المعني بحماية حقوق الإنسان ومع الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة ومع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وكذلك يفرض قانون الجزاء الفرنسي الجديد تطبيق هذه القاعدة الجزائية الأساسية في المواد 112/1 وما يليها. ويؤكّد اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات اللبناني على تطبيق القاعدة ذاتها في المواد 3 وما يليها، ولكن في شكل منقوص سائرا بذلك على خطى قانون العقوبات الحالي. فهو، وبعكس قانون الجزاء الفرنسي الجديد، لا ينص على رجعية القانون الجزائي الجديد الذي ينزع عن الفعل صفته الجرمية، وهو الفعل المسند إلى المحكوم عليه والذي على أساسه صدر الحكم بإدانته. وبهذا فان المحكوم عليه يتابع تنفيذ عقوبة جزائية بالحرمان من حريته مثلا من أجل فعل لا يؤلّف جريمة في وقت هذا التنفيذ، مما ينافي قاعدة رجعية القانون الجزائي الأنفع للمدّعى عليه وحتى للمحكوم عليه. ومثال ذلك أن يحكم على المدّعى عليه بثلاثة أشهر حبس من أجل جريمة التشرّد التي أسندت إليه، ثم يدخل بعد اكتساب الحكم الذي صدر بحقه قوة القضية المحكوم بها قانون جزائي جديد ينزع عن فعل التشرّد صفته الجرمية وفي وقت ينفّذ فيه المحكوم عليه العقوبة المقضي بها. فقاعدة رجعية القانون الجديد الأرحم تقضي، في هذه الحال، بأن يطلق سراح المحكوم عليه فورا. وهذا ما تنص عليه صراحة المادة 112/4 ، الفقرة الثانية، من قانون الجزاء الفرنسي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في تاريخ الأول من آذار سنة 1994 . لكن، وللأسف، لم يحذو المشرّع اللبناني حذو المشرّع الفرنسي، وذلك بعدم أخذه بهذه القاعدة التي يفرضها تطبيق الاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان.



ولا تقف هذه المخالفات التي يتضمنها اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات عند حدود نطاق عدالة القوانين وإنسانيتها، بل تتخطاها إلى حقل الحريات وهو الحقل الأهم والأخطر بالنسبة لأفراد المجتمع. فلنرى إذن ما هي هذه المخالفات القانونية التي تطال من حريات الإنسان في نصوص الاقتراح المذكور أعلاه.



ثانيا : تناقض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع المبادئ التي تحمي حريات الإنسان.


إن بعض نصوص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات تخالف حريات الإنسان . وهذه الحريات تقسم إلى نوعين: الحريات المرتبطة مباشرة بشخص الإنسان وهي ما يسمى بالحرية الفردية[27]، وتلك العائدة إليه بفعل انتمائه إلى جماعة بشرية معيّنة وتعرف بالحريات العامة. ويؤكّد الفقه الدستوري الفرنسي على هذا الاتجاه مفرّقا بين حريات عامة وحريات فردية على أساس ارتباط الحرية المعنية بشخص الفرد أو بجماعة أو بطائفة من الطوائف حيث تمارس جماعيا:

« L’expression « liberté individuelle » a des significations différentes selon qu’elle est employée au singulier ou au pluriel. On désigne par « libertés individuelles » l’ensemble des libertés et droits fondamentaux, ou même de libertés publiques, attachés à l’individu par opposition aux « libertés collectives », qui reconnues à un groupement d’individus, déterminent un forme d’exercice collectif de certains droits et libertés au nombre desquelles on peut citer la liberté d’association ou encore la liberté de réunion… »[28].

وانطلاقا من هذا التعريف يقتضي التفريق بين نصوص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات التي تحمل اعتداء على الحريات العامة أي على تلك التي تمارس في نطاق جماعي، ونصوص هذا الاقتراح التي تخالف الحرية الفردية والتي يمارسها الشخص بمعزل عن أي مشاركة جماعية.


ألف : الاعتداء على الحريات الجماعية.

يدخل ضمن نطاق الحريات الجماعية حرية الانتماء إلى الجمعيات وحرية التظاهر والتجمع السلمي وحق الاجتماع وحرية الصحافة أو إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الدين والمعتقد. ويبدو من خلال تمحيص اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أن بعض نصوصه تتعارض بصورة واضحة مع هذه الحريات.


1 – تعارض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع حرية الاجتماع والانتماء إلى الجمعيات.


كفل الدستور اللبناني للمواطن حرية الانتماء إلى الجمعيات وحرية تأليفها في المادة 13 منه التي تنص على أن " ... حرية الاجتماع وحرية تأليف الجمعيات مكفولة ضمن دائرة القانون". وكرّست الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان صراحة هذه الحرية. فنصت المادة 20/1 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان على أن " لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية". وتؤكّد المادة 22/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على هذه الحرية معلنة أن " لكل فرد الحق في حرية المشاركة مع الآخرين بما في ذلك حق تشكيل النقابات أو الانضمام إليها لحماية مصالحه"[29].

وعلى الرغم من هذه النصوص الدولية ومن نص المادة 13 من الدستور اللبناني، جاء اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على غرار قانون العقوبات الحالي مخالفا في بعض نصوصه لحرية الاجتماع والانتماء إلى الجمعيات. فالمادة 298 من هذا الاقتراح تقيّد حرية الانتماء إلى جمعية سياسية أو اجتماعية ذات طابع دولي أو إلى منظمة دولية ذات طابع اجتماعي أو إنساني بإذن الحكومة المسبق، وذلك تحت طائلة معاقبة الفاعل بالحبس أو الإقامة الجبرية من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة تتراوح بين خمسين ألفا وخمسمائة ألف ليرة. ولا يمكن أن تنقص عقوبة من تولى في الجمعية أو المنظمة المذكورتين وظيفة عملية عن السنة حبسا أو إقامة جبرية وعن المئتي ألف ليرة غرامة.

قد يكون من المنطقي تقييد تأليف الجمعيات بإذن الحكومة المسبق وذلك للاطلاع على أهداف الجمعية وللتأكد من أن موضوعها أو نشاطاتها المستقبلية لا تمس النظام العام وليست مخالفة لنصوص القوانين المرعية الإجراء ولا تخل بأمن المجتمع أو بأمن الدولة. ولكن، قد يكون من الصعب تفهّم ربط الانتماء إلى جمعية سياسية أو اجتماعية، أي جمعية مؤلّفة وموجودة، وان كانت أجنبية، بموافقة الحكومة المسبقة طالما أن الجمعية المعنية تقوم على مبادئ وأهداف مسالمة وشرعية ولا تناقض النظام العام اللبناني.

إن تقييد حق الانتماء إلى الجمعيات، وان كانت دولية وتتمتع بالصفة السياسية، بالحصول على إذن الحكومة المسبق يحمل اعتداء على الحريات العامة ويناقض أحكام الدستور اللبناني وأحكام الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان. فما دامت الجمعية المعنية سلمية وعلنية ولا تهدف سرا أو علنا إلى أي عمل تخريبي أو يضر بمصالح الدولة اللبنانية، فان حرية الانتماء إليها يبقى ويجب أن يكون حقا لكل لبناني من دون حاجة إلى حصوله على إذن الحكومة لهذه الغاية. وتكمن خطورة القيد الذي تضعه المادة 298 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات في أن عملية تقريره تعود للسلطة السياسية ولا تخضع إلى أي معيار قانوني وفي أن القرار الذي يقضي بمنع الانتماء إلى الجمعية هو غير قابل إلى أي طريق من طرق المراجعة القضائية. ولذا كان من المستحسن تقييد حرية الانتماء إلى جمعية مماثلة بإذن مرجع قضائي مختص على أن يكون قراره، لهذه الجهة، قابلا للطعن أمام مرجع قضائي من درجة أعلى، ما يؤدّي إلى ضمان الحريات العامة وخصوصا حرية الانتماء إلى الجمعيات.


2- تعارض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع حرية التجمّع السلمي.


تشمل حرية التجمّع السلمي حق التظاهر وحق الاجتماع . وقد كفلت المادة 13 من الدستور اللبناني هذه الحرية للمواطن صراحة بنصها على أن " حرية الاجتماع مكفولة ضمن دائرة القانون". كما أن المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تكرّس هذا الحق معلنة انه " يعترف بالحق في التجمع السلمي، ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير ما يفرض منها تمشيا مع القانون والتي تستوجبها، في مجتمع ديمقراطي، مصلحة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الأخلاق أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".

وتؤكّد كذلك المادة 20/1 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان على أن " لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية".

ويلاحظ، على هذا الصعيد، بالإضافة إلى أن قرار منع التجمعات،الصادر في 27 شباط 1996 لا زال ساري المفعول، أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات،الذي جاء مطابقا تماما لقانون العقوبات لهذه الناحية ، يحد في عدد من نصوصه من هذه الحرية بشكل صريح ويعرّضها إلى اعتداءات مناقضة لنصوص الاتفاقات الدولية التي تعنى بحمايتها.

ويندرج في هذا الإطار نص المادتين 345 و347 من الاقتراح المذكور والواردتين تحت الفصل الخامس الذي يحمل العنوان التالي : في تظاهرات وتجمعات الشغب. ولهذا يقتضي التفريق بين تظاهرات الشغب وتجمعات الشغب.


أ‌- في تظاهرات الشغب.


تنص المادة 345 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على أنه " يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة كل من جهر، في مكان عام أو في محل مباح للجمهور أو معرّض لأنظاره، بصياح أو بأناشيد الشغب أو بإبراز شارات أو حركات لإثارة الفتن أو للإخلال بالأمن العام أو اقدم على أي تظاهرة شغب أخرى. ينزل منزلة المكان العام كل مكان يعقد فيه اجتماع يعد، في ضوء غايته أو غرضه أو عدد المدعوين إليه أو انتماءات الذين يتألف منهم أو مكان انعقاده، خارجا عن مفهوم الاجتماع الخاص".

إن بعض حيثيات هذا النص تدعو إلى القلق كونها تحمل في طياتها نية سلطوية واضحة بقمع حرية التجمّع وحرية إبداء الرأي السياسي خصوصا. فمنع التجمعات أو التظاهرات الهادفة إلى إثارة الفتن والإخلال بالأمن العام، تحت طائلة الملاحقة الجزائية، هو أمر طبيعي وعادي وتبرره المقتضيات الأمنية والسلامة العامة إذا تم ضمن الشروط القانونية المطبقة في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالحريات وبحقوق الإنسان. ولكن مخالفة هذا النص للحريات العامة تبدو واضحة في موضعين أساسيين يهدف المشرّع من خلالهما إلى كبت حرية التظاهر السلمي وهما: معاقبته للتظاهر المصحوب بصياح أو بأناشيد شغب، وتعريفه للمكان العام.


- الصياح وأناشيد الشغب

إن ما يلفت النظر في نص المادة 345 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات هو أنه لا يعاقب صراحة التظاهر الحاصل من دون إذن السلطة المختصة ( وزارة الداخلية)، بل انه يجرّم فعل كل من جهر ( أي تظاهر علانية) في مكان عام أو مباح للجمهور بصياح أو بأناشيد الشغب. وهذا يعني، من جهة، أن فعل التظاهر الممنوع يتحقق بمجرد صياح شخص واحد في مكان عام ليعبّر عن رأيه، وأن ، من جهة أخرى، مجرّد الصياح في مكان عام يعتبر شغبا يمكن للسلطة العامة مكافحته. ولا ننسى، على هذا الصعيد، أعمال القمع التي لجأت إليها السلطة مؤخرا لمنع الطلاب من التظاهر واعتبارها مجرّد التظاهر أو التجمع السلمي نشاطا مشاغبا ومضرا بالنظام العام وبأمن البلد، مما ينافي حقوق الإنسان وحرية التظاهر والتجمع السلمي المكرّسة في الدستور اللبناني.

إن الخطر الناتج من هذا النص على حرية التظاهر والتجمع السلمي يكمن في عدم تعريفه لأناشيد الشغب أو لصيحات الشغب. فما هو النشيد الذي قد يعتبر في قاموس السلطة نشيدا مشاغبا؟ وبالنظر إلى أي معيار تنظر السلطة إلى الصيحة أو إلى النشيد على أنه نشيد شغب أو على أنها صيحة شغب؟

إن الصيحة بحد ذاتها لا تؤلّف أي خطر على النظام العام طالما أنها صيحة مسالمة غير تحريضية وغير مترافقة مع أعمال عنف أو أعمال تشكّل خطرا على السلامة العامة أو إزعاجا للراحة العامة. كذلك الأمر بالنسبة للأناشيد التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تؤلّف إخلالا بالنظام العام إذا انتهت في الوقت المحدد لها قانونا وكانت غير تحريضية.

ولكن يظهر واضحا أن السلطة أرادت من وراء هذا النص التجريمي تحريم التعبير عن الرأي الذي يعارض توجّهها السياسي واعتباراتها السياسية وذلك باعتمادها هذه العبارات المطاطة " الصياح وأناشيد الشغب" من دون أن تحدد ماهية الأناشيد أو الصيحات التي تؤلّف أعمال شغب مخلة بالأمن العام وذلك كي تتمكّن من تقدير طبيعة الأناشيد والصياح على هواها. فقد كان بوسع المشرّع أن يستبدل هذه العبارات بعبارات أخرى اكثر وضوحا واكثر تطابقا مع حقوق الإنسان كعبارات: "الصرخات والأناشيد التحريضية أو الطائفية أو المذهبية أو الداعية إلى قلب النظام أو إلى الثورة والاقتتال الطائفي أو غيره من التحريض المنافي لحقوق الإنسان كالتحريض الداعي إلى الكره العرقي أو الاتني أو الطائفي".

وظهرت بوادر نية المشرّع على مدى العشر سنوات السابقة وبصورة مؤسفة تدل على مدى استبداد السلطة وتحيزها، إذ أنها اعتبرت صياح الطلاب الذين ينادون بالحرية والسيادة والاستقلال شغبا ومسا بالنظام العام استوجب ترهيبهم والتنكيل بهم بلا هوادة وبلا رحمة، في حين أمنت في الوقت ذاته الحماية والمواكبة لمظاهرات مسلحة رفعت الشعارات الطائفية والتحريضية والخناجر والسواطير. هذا يدل دلالة واضحة على أنه يراد من وراء نص المادة 345 قمع الحركات الطلابية وحرية الرأي في كل أشكالها وخصوصا حرية الرأي السياسي غير المتوافق مع توجهات السلطة.

وللتأكيد على أن المادة 345 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات تخالف حرية التجمّع السلمي، يشار إلى أن قانون الجزاء الفرنسي لا يعاقب ما سماه القانون اللبناني صياح الشغب أو أناشيد الشغب. فالمادة 431/9 من قانون الجزاء المذكور لا تعاقب سوى من نظّم التظاهرات الحاصلة في الطرقات العامة والتي لم يتم الإعلان عنها للسلطات المختصة ( المحافظة ) أو من نظّم التظاهرات الحاصلة رغم منعها من قبل السلطات العامة وفقا للشروط المحددة قانونا[30] أو من قدّم للسلطة العامة المختصة تصريحا غير كامل أو غير صحيح عن موضوع المظاهرة وأهدافها. وبهذا فان العقوبة لا تنزل في هذه الحالات سوى بمن نظم المظاهرة المخالفة للقانون وليس بمن اشترك فيها[31]، ولا يعاقب من اشترك في مظاهرة معيّنة إلا إذا كان بحوزته سلاحا ظاهرا[32].



- تعريف المكان العام
أنزلت الفقرة الثانية من المادة 345 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات منزلة المكان العام كل مكان يعد، في ضوء غايته أو غرضه أو عدد المدعوين إليه أو انتماءات الذين يتألف منهم أو مكان انعقاده، خارجا عن مفهوم الاجتماع الخاص.

ويلاحظ جليا أن المشرّع يسبغ على المكان صفة المكان العام بالنظر إلى غاية أو غرض الأشخاص المتواجدين فيه أو عدد هؤلاء وبالنظر إلى انتماءات هؤلاء الأشخاص. وبناء على ذلك فان أي مكان خاص يمكن أن يعتبر بعرف المشرّع مكانا عاما يحظّر الاجتماع فيه على الأشخاص المعنيين وذلك لسبب انتماءاتهم السياسية أو الاجتماعية ولمجرّد أن هذه الانتماءات مغايرة لاتجاه النظام السياسي في البلد أو لاتجاه السياسة المتبعة من قبل الحكومة وان شكّل الاجتماع تجمّعا مسالما لم تتخلله أي أعمال شغب أو فوضى أو مس بالنظام العام. وهذا يعني أن للسلطة أن تمنع أي اجتماع يعقد في مكان خاص أو في مكان عام بالاستناد إلى انتماءات الأشخاص الموجودين في الاجتماع أو إلى عددهم أو إلى غرض الاجتماع، أي أن لها أن تحظّر أي اجتماع سياسي يعارض توجهاتها السياسية أو حتى أي اجتماع، وان لم يكن هدفه أو غرضه سياسيا بل اجتماعيا، وذلك لعلة انتماء أصحابه إلى المعارضة أو إلى حزب سياسي مناوئ للحكم. وهذا ما حصل منذ مدة حيث منعت السلطات المختصة ( وزارة الداخلية) حفل عشاء كان مقررا أن يقام في مطعم معروف بعد أن دعت إليه جهة سياسية معارضة للحكم.

هذا يدل دلالة واضحة على أن الهدف من نص المادة 345 هو تثبيت القمع السياسي وخنق حرية التجمع السلمي، ويدل أيضا على مدى الخوف والهلع الموجودين لدي القيّمين على السلطة اليوم من حرية الرأي وديمقراطية الكلمة ومن التفاف المواطنين حول عناوين الحرية والسيادة والاستقلال. تراهم يخشون الحرية والديمقراطية لان حكمهم يقوم على الديكتاتورية وسياسة الردع والقمع والاستبداد. وفي هذا مخالفة فاضحة لحرية التظاهر والتجمّع المكرّسة صراحة في الاتفاقات والعهود الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان.


ب‌- في تجمّعات الشغب.


تعتبر المادة 346 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات تجمعا للشغب كل حشد أو تجمهر أو موكب يسير في الطرق العامة أو يتجمع في مكان عام أو في محل مباح للجمهور أو معرّض لأنظاره. وتعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة إذا:

- تألف من ثلاثة أشخاص أو أكثر، أحدهم على الأقل مسلح، بقصد اقتراف جناية أو جنحة.
- من عدة أشخاص للاحتجاج بوسائل مخلة بالأمن على قرار أو تدبير اتخذته السلطة العامة بقصد حملها على الرجوع عنه أو الضغط عليها.
- من عدد يفوق العشرين شخصا ظهروا بمظهر من شأنه أن يعكّر الاستقرار العام.

وتضيف المادة 347 من الاقتراح ذاته انه إذا تجمّع الناس على الوجه المبيّن في المادة السابقة أنذرهم بالتفرّق، بوسيلة أو أكثر من الوسائل المعتمدة لهذا الغرض، أحد ممثلي السلطة الإدارية أو أحد ضباط القوى الأمنية.

يطرح نص المادتين 346 و 347 مشكلتين قانونيتين تتعارض مع حرية التجّمع السلمي المكرّسة في الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وهما: مسألة اعتبار التجمّع تجمعا للشغب بمجرّد أن يفوق عدد المشتركين فيه العشرين شخصا، ومسألة تفريق التجّمع الموصوف بالمشاغب.


- وصف التجمّع بالمشاغب بالنظر إلى عدد المشتركين فيه

ينتج من نص المادة 346، الفقرة الأخيرة، من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أن التجمّع يعتبر تجمّع شغب يعاقب عليه القانون بعقوبة الحبس إذا تألف من عدد يفوق العشرين شخصا ظهروا بمظهر من شأنه أن يعكّر الاستقرار العام. وهذا يعني أن المشرّع يضفي الصفة الجرمية على التجمّع بالنظر إلى عدد المشتركين فيه، ما يناقض المنطق القانوني وما يحمل اعتداء على حرية التجمّع السلمي. فخطورة التجمّع لا يمكن أن تقاس بالاستناد إلى عدد الأشخاص الذين يتألف منهم، بل بالاستناد إلى الأفعال الجرمية التي يرتكبها هؤلاء والى مدى الإخلال بالأمن العام الناتج عن واقعة التجمّع، كحصول أعمال كسر وخلع وحريق وجرح أثناء عملية التجمّع ارتكبت على يد أشخاص شاركوا في التجمّع المذكور.

أما بالنسبة لما ورد في الفقرة المذكورة أعلاه لجهة اشتراط المشرّع أن يظهر المشاركون في التجمّع بمظهر من شأنه أن يعكّر الاستقرار العام كي يعاقب فعلهم، فان هذه العبارات جد مطّاطة ولا تؤدّي إلى ضمان حرية التجمّع السلمي، إذ أنها لا تعرّف صراحة التجمّعات التي تعكّر صفو الاستقرار العام. فتقدير هذه المسألة المادية يعود أولا إلى السلطة العامة التي تقمع التجمّعات السلمية باعتبارها مخلة بالاستقرار العام والى قاضي الأساس ثانيا. ومن المعروف أن السلطة العامة تعتبر أي تجمّع أو مظاهرة تخالف توجّهاتها السياسية أو مواقفها السياسية تجمّعا مشاغبا ومخلا بالاستقرار العام أو بالأمن العام. والأمثال على ذلك كثيرة، أقلها منع الطلاب من التظاهر سلميا لمجرّد علم السلطات المختصة أن هؤلاء الطلاب سينادون بصوت حر وعال : سيادة، حرية، استقلال. مما يشكّل إخلالا بالأمن العام بعرف السلطة العامة ولو كان الاستقلال الذي يطالب به التجمّع سيكون استقلالا للسلطة نفسها وللشعب كله عن مصادر الهيمنة والاحتلال.

- الطريقة المعتمدة لتفريق التجمّع الموصوف بالمشاغب

يستفاد من نص الفقرة الأولى من المادة 347 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أن للسلطة العامة أن تنذر الأشخاص الذين يؤلفون التجمع بالتفرّق بوسيلة من الوسائل المعتمدة لهذا الغرض. ويظهر بصورة واضحة أن المشرّع لا يحدد ما هي هذه الوسائل التي تنذر بها السلطة العامة أفراد التجمّع بالتفرّق، ما يترك الباب مفتوحا أمام هذه الأخيرة لاستعمال الوسائل التي اعتادت على اللجوء إليها خلال فترة العشر سنوات الأخيرة حيث كانت ولا تزال تلجأ، لهذا الغرض، إلى شتى أنواع أعمال العنف والضرب وحتى دهس أجساد المتجمّعين بالنعال( مثلما حصل في تاريخ 7 آب سنة 2001 على مرأى شهود عيان أمام قصر العدل في بيروت) والرش بخراطيم المياه الساخنة وإلى ما هنالك من أساليب بربرية محرّمة في كل الأنظمة الديمقراطية والليبرالية ومخالفة لكل الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان.

ويتبيّن أن نص الفقرة المذكورة أعلاه أتى مخالفا لنص المادة 347 من قانون العقوبات الحالي الذي حدد بدقة الوسائل التي يمكن للسلطة العامة اللجوء إليها إذا دعت الأحوال من أجل تفريق التجمّع المخل بالاستقرار العام وهي : قرع الطبل أو النفخ في البوق أو الصفارة أو أي طريقة أخرى مماثلة.

ولكن، وكما الكل يعلم، لم تلجأ السلطة المختصة يوما لتفريق التجمّعات التي تعتبرها مشاغبة إلى أي وسيلة من هذه الوسائل المسالمة والمتطابقة مع القواعد الإنسانية للتعامل بين البشر بل كانت تلجأ إلى وسائل أخرى اشد نفعا لتحقيق القمع وخنق الكلمة الحرة وكسر الإرادة الجبارة، إرادة الشعب الحر. ولهذا السبب، فهي تعمل اليوم على تشريع هذه الوسائل بموجب نص قانوني يتيح لها العمل بمنأى عن أي اتهام في خروجها على الشرعية.

3- تعارض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام الصحافة .


كرّس الدستور اللبناني حرية إبداء الرأي قولا وكتابة وحرية الطباعة بنص المادة 13 منه. ونصت المادة 19/2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن " لكل فرد الحق في حرية التعبير، وهذا الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات والأفكار من أي نوع واستلامها ونقلها بصرف النظر عن الحدود وذلك إما شفاها أو كتابة أو طباعة وسواء كان ذلك في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". كما جاء في المادة 19 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان أن " لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية".

وعدا عن النصوص القانونية الخاصة، كقانون المطبوعات ، التي تحد، في كثير من المواضع، من حرية التعبير والرأي وحرية الصحافة، فان اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، الذي حرص على نسخ نصوص قانون العقوبات الحالي مع بعض التعديلات الطفيفة في الصياغة وليس في الجوهر، يحد بدوره أيضا من هذه الحريات الأساسية رغم تكريسها بنص دستوري ورغم التأكيد على حمايتها بنصوص الاتفاقات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة. ويمكن أن يستنتج الحد من هذه الحريات من نص المادتين 288 و296 من الاقتراح المذكور، وذلك من جهة بالنسبة لبث أو إذاعة أخبار أو خطب من شأنها أن تعرّض لبنان لأعمال ثأرية أو عدوانية أو أن تعكّر صلاته بدولة أجنبية، وبالنسبة لنقل أخبار أو أنباء من شأنها أن توهن نفسية الأمة من جهة أخرى.


أ‌- الأخبار التي من شانها أن تعرّض لبنان لأعمال ثأرية أو عدوانية أو أن تعكر صلاته بدولة أجنبية.


جاء في نص الفقرة الثانية المادة 288 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أنه " يعاقب بالاعتقال المؤقت: من أذاع أخبارا أو بيانات أو إشاعات أو خطبا من شانها تعريض لبنان وأهله لخطر أعمال عدائية أو ثأرية أو تعكير صلاته بدولة أجنبية".

إن ما يلفت الانتباه في هذا النص أولا هو أنه يعاقب فعل إذاعة الأخبار أو البيانات وان لم تؤد إذاعتها إلى إلحاق الضرر بلبنان أي حتى في غياب الأعمال الثأرية أو العدوانية ضده. وبهذا فان هذا النص يحمل اعتداء على حرية الرأي والتعبير وعلى حرية الصحافة والإعلام عموما وذلك لسببين أساسيين:

- السبب الأول وهو أنه يعاقب على فرضية أو احتمال وقوع أعمال ثأرية أو عدوانية ضد لبنان وليس على أعمال واقعة بالفعل. وهذا ما يؤدّي إلى إساءة استعمال السلطة والى الحد من حرية الصحافة والرأي باعتبار أي خبر أو نبأ مذاع من الأخبار التي قد تعرّض لبنان إلى أعمال ثأرية أو عدوانية حتى وان لم تحدث هذه الأفعال فعلا. وهذا النص يتيح للسلطة العامة التستّر بغطائه للحد من ممارسة حرية الرأي والصحافة باعتبارها أي خبر أو بيان لا يصب في مصلحتها السياسية من الأخبار أو البيانات التي تعرّض لبنان لأعمال ثأرية أو عدوانية. ولهذا، وصونا لحرية التعبير والرأي ولحرية الإعلام والصحافة، كان على المشرّع أن يربط الملاحقة الجزائية بشكوى الطرف المتضرر أو باحتجاجه الرسمي، أي الصادر عن سلطة رسمية معترف بها دوليا ( سفارة البلد المتضرر أو وزارة الخارجية في هذا البلد).
- السبب الثاني هو أن النص ذاته يعاقب على فرضية أو احتمال تعكير صلات لبنان بدولة أجنبية حتى وان لم تتعكر هذه الصلات فعلا. وبهذا فأن المشّرع يقيم التجريم هنا على مجرّد فرضية تعكير صلات لبنان بدولة أجنبية، وهو يعاقب على الفعل بغض النظر عن نتائجه أي حتى وان لم يتأتّ عنه تعكير صلات لبنان بدولة أجنبية. وهذا ما يؤلّف حتما اعتداء على حرية الرأي واستبدادا وتحكما بحرية الصحافة ويجعلها مقيدة وواقعة تحت الرقابة في غياب أي ضرر حاصل، مما يتنافى مع الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان ومنها حرية الرأي والتعبير. وهنا أيضا كان يتوجب على المشرع أن يربط تأسس الوصف الجرمي بشكوى الدولة المتضررة لتثبيت حقيقة الضرر الواقع ولاخراجه من مجرد الفرضيات والنظريات.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرّع نفسه يعاقب، بموجب المادة 292 من الاقتراح ذاته، بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة لا تجاوز أربعمائة ألف ليرة ، بناء على شكوى المتضرر، من أجل تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني ومن أجل تحقير رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي أو الديبلوماسي في لبنان ومن أجل كذلك القدح أو الذم الواقع علانية على رئيس دولة أجنبية أو وزرائها أو ممثلها السياسي في لبنان. ورغم أن هذه الأفعال هي أشد خطورة من فعل إذاعة أخبار قد تعكّر صلات لبنان بدولة أجنبية، فأن المشرّع لا ينص على ملاحقتها ومعاقبتها إلا بناء على شكوى المتضرر ويخصص لها عقوبات جنحية أخف وطأة من عقوبة الاعتقال المؤقت التي ينص عليها لمعاقبة إذاعة الأخبار التي تعرّض لبنان إلى تعكير صلاته بدولة أجنبية ( عقوبة جنائية). وهذا يظهر مدى التناقض في السياسة الجنائية التي أراد المشرّع أن يطبقها ومدى تصميمه على الحد من حرية الرأي والتعبير ومن حرية الإعلام الصحافة، إذ يتبيّن واضحا من خلال مقارنة نصي المادتين 288 و 292 أنه أراد خصوصا أن يجد في احتمال تعكير صلات لبنان بالدول الأجنبية عذرا لضرب حرية الرأي وسببا لحماية علاقاته ببعض الدول وليس حماية لمصالح لبنان العليا والديبلوماسية.


ب‌- الأخبار التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة


نصت المادة 296 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على أنه " يستحق عقوبة الاعتقال المؤقت من نقل في لبنان، في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها، أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة. إذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأكثر".

إن هذا النص يحد من حرية الإعلام والصحافة ومن حرية الرأي لمعاقبته فعل نقل أخبار صحيحة في زمن الحرب من شأنها أن توهن نفسية الأمة. والمشكلة تكمن في كيفية تحديد صفة الخبر الذي يوهن من نفسية الأمة في بلد تتألف فيه الأمة من شيع ومن طوائف ومن أحزاب وعائلات قد يوهن الخبر المذاع من عزيمة أو نفسية بعضها ولا يوهن من عزيمة بعضها الآخر. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فان الحد من حرية التعبير تظهر في عدم تحديد النص لماهية الخبر الذي يؤدي إلى خلق الوهن في نفسية الأمة وفي ترك هذه العملية لتقدير السلطة، مما ينتج عنه الكثير من الانتهاكات والإساءة في التقدير عن سوء نية في غالب الأحيان وذلك بهدف وضع اليد على الأخبار المذاعة والتحكّم بها في زمن الحرب أو حتى في غير زمن الحروب.

أضف إلى ذلك أن نص المادة 296 يعاقب فعل نقل الأنباء التي من شانها أن توهن نفسية الأمة ولو كان ناقل الأخبار حسن النية، مما يعني أن المشرّع يجرّم الفعل المادي دون أن يأخذ في عين الاعتبار ما إذا كان النبأ قد نقل عن حسن نية أو بنية الإضرار بالمصلحة العامة. وهذا يدل دلالة واضحة على نية الحد من حرية الإعلام الصحافة في شكل ينافي الاتفاقات والعهود الدولية التي تكرّس الحق في التعبير كتابة وشفهيا. وتجلّت هذه النية بوضوح تام في قضية محطة " أم. تي. في." التي أقفلت، لأسباب محض سياسية وكيدية، بقرارات قضائية تتنافى كليا مع قواعد الإجراءات الجزائية وتخالف أبسط قواعد المحاكمة وأقلها أن تكون المحكمة قد وضعت يدها على الدعوى بادعاء قانوني وصحيح صادر عن سلطة مختصة، وأن تجري المحاكمة في صورة علنية وشفهية وبحضور الفرقاء في الدعوى.

استطاعوا فعلا أن يقفلوا محطة " أم. تي. في" بواسطة قرارات قضائية معلّبة، لكنهم لم يتمكنوا ولن يتمكّنوا أبدا من خنق صوت الحرية، صوت الحق والعدالة والوعد بغد قريب تعود فيه السيادة للبنان والحرية للبنانيين.


4 – تناقض اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات مع حرية المعتقد والفكر والرأي.


ضمن الدستور اللبناني حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية في المادة التاسعة منه التي جاء فيها أن " حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام...".

وتكرّس المادة 18 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان حق كل شخص في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنها بحرية بالتعليم والممارسة والكتابة وإقامة الشعائر سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة. كما تؤكّد المادة 19 من الإعلان ذاته على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، وعلى أن يشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

ويضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقوق ذاتها بالمادة 18/1 منه التي تنص على أن " لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة، ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره وفي أن يعبّر، منفردا أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني، عن ديانته أو عقيدته سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم أو الكتابة". ويضيف العهد ذاته في المادة 18/2 انه لا يجوز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يعطّل حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد التي يختارها.

ومن مراجعة اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يتبيّن أن بعض نصوصه تتعارض من جهة مع حرية الرأي الديني أو التعبير عن المعتقد الديني علانية ( أ ) ومع حرية التفكير الديني بالنشر والطباعة ( ب ) من جهة أخرى.


أ- الحد من حرية الرأي الديني أو من حرية التعبير عن المعتقد الديني.


تظهر واقعة الحد من حرية الرأي الديني أو من حرية التعبير عن المعتقد الديني في إرادة المشرع الهادفة إلى تجريم فعل التجديف على اسم الله أو فعل النيل من العزة الإلهية ( Blasphème ). فقد نصت المادة 473 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات المأخوذة عن المادة 473 من قانون العقوبات الحالي على أن " من جدّف على اسم الله علانية عوقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى ثلاثة ملايين ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين".

ويلاحظ هنا، بالمقارنة مع نص المادة 473 من قانون العقوبات الحالي، أن المشرّع يخفّض عقوبة الحبس من سنة إلى ستة أشهر وينص في مقابل ذلك على عقوبة الغرامة التي لا يلحظها النص الحالي ( خمسمائة ألف إلى ثلاثة ملايين ليرة)[33].

ورغم أننا لا نقر ولا نؤيّد على الإطلاق فعل التجديف على اسم الله جلّ جلاله ولا فعل النيل من العزة الإلهية، نجد أن في نص المادة 473 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات اعتداء على حرية التفكير والرأي الدينيين. وهذا، من جهة، لأن لكل فرد الحق في حرية الاعتقاد علانية أمام الناس، كتابة وشفهيا، ما دام هذا التعبير لا يمس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حرية الغير أو مشاعره الدينية التي هي في حمى القانون. أما من جهة ثانية، فان الله سبحانه تعالى لم يعط وكالة حصرية لأحد في سبيل الدفاع عنه أو معاقبة من يخالف تعاليمه أو من يجدّف على اسمه أو من يتنكّر لوجوده أو لنعمه أو لفضائله. فالله واحد للكل، لكل الناس، لا يحابي بين إنسان وآخر ولا يفوّض أحدا ليقوم مقامه أو للنطق باسمه معاقبة وتجريما.

إن الله محبة وغفران وتسامح قبل كل شيء. فهو لا يحض على العقاب ولا على الانتقام أو الثأر. فلنكف إذن عن محاسبة الناس وعن الحد من حرياتهم باسم الله، ولنترك لله أمر معاقبة من يريد معاقبته. فهو عليم قدير.

إن هذه السياسة التشريعية التقليدية، التي تذكّرنا بالسياسة الجنائية التي كانت متبّعة في أوروبا في أيام العصور الوسطى حيث كان يحكم على مرتكب جناية التجديف على اسم الله بالموت ، تقع في تناقض مع نفسها على غير صعيد. فمن جهة تقوم الدنيا وتقعد لأن الأستاذ عقل العويط كتب مقالا ناجى فيه الخالق الرحيم وعتب عليه متنكّرا لسلطانه، إذ اعتبر البعض أن هذا المقال يمس مشاعر الآخرين الدينية ويوجب ملاحقة كاتبه جزائيا بجريمة التجديف على العزة الإلهية. هذا في وقت يسرح ويمرح فيه عبدة الشيطان بأعمالهم وبنشاطاتهم الشيطانية المخيفة والمروّعة دون التمكّن من ملاحقتهم رغم أن أفعالهم تهدد النظام العام والاستقرار العام في البلاد.

فأمره عجيب غريب هذا المشرّع الذي يعاقب من يجدّف على اسم الله بالحبس، ولا يعاقب حتى بالغرامة من يروّج لعبادة الشيطان ولاعتماد سلوك غريب عن الأعراف والتقاليد الاجتماعية في ميادين عدة، ومن يرتكب أفعالا خطرة على السلامة العامة كونها تحرّض الشباب على الانتحار وعلى القيام بنشاطات مخلة بالحشمة وبالآداب العامة.

أما من جهة أخرى، فيلاحظ أن المشرّع بتجريمه فعل التجديف على اسم الله لا يقيم لله عزّ وجل المقام الأكبر والأعلى في قانون العقوبات. فهو إذ ينص على معاقبة من يجدّف على اسم الله بالحبس حتى ستة أشهر، يعاقب في الوقت ذاته القدح أو الذم الموجّه إلى رئيس الجمهورية بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مليونين إلى عشرة ملايين ليرة ( أي بعقوبة أشد وأقسى من العقوبة المخصصة لجريمة التجديف على اسم الله) ( م 386 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات)، ولا يجيز، إضافة إلى ذلك، إقامة الدليل على صحة الذم أو القدح المنسوب إلى رئيس الدولة ( م 387 من الاقتراح ذاته). وهذا يدل دلالة واضحة على أن المشرّع يعتبر أن القدح أو الذم المنسوب إلى رئيس الدولة يكون أشد خطورة من التجديف على اسم الله. بمعنى آخر إن المشرّع يضع رئيس الدولة في مقام أعلى وأهم، على الصعيد الجزائي، من مقام الله سبحانه تعالى.

لذا رحماك ربي، رحماك يا الله لأننا نجدّف حين نعاقب أو نحكم بالحرمان من الحرية على من جدّف على اسمك ونعتبر في الوقت ذاته أن توجيه الذم أو القدح إلى إنسان هو اخطر من التجديف على عزّتك أو على اسمك. نجدّف لأننا نقلل هكذا من شأنك وننزلك إلى مرتبة الفرد أو الإنسان. أنت هو الخالق تعلو على الكل، لا يعلى عليك ولا تساوى بأحد. أنت هو من يعاقب، فيما لو كان من عقاب، وأنت من ينذر ومن يسامح ويغفر. لا وكلاء لك على الأرض ولا ممثلين. أنت هو من يسامح بالمحبة كما الأب يحب أولاده ويغفر لهم كلما أساءوا إليه.

الله محبة لا نهاية لها، الله مغفرة وتسامح، لا يقوم عنده المبدأ القائل: عين بعين وسن بسن. هو الذي يحاسب على طريقته، هو الذي يعرف متى وكيف يحاسب.

فلنترك إذن أمور الله لله وأمور قيصر لقيصر.


ب - النيل من حرية التفكير الديني بالنشر والطباعة.

تعاقب الفقرة الثانية من المادة 474 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة من طبع أو نشر كتابا مقدسا في نظر دين من الأديان التي تمارس شعائرها الدينية علانية إذا حرّف نصه بقصد إحداث تغيير في معناه.

أدخلت هذه الفقرة الجديدة على نص المادة 474 المأخوذ من المادة 474 من قانون العقوبات الحالي. وهذه الفقرة تناقض صراحة حرية التفكير الديني وحرية المعتقد المكرستين في الاتفاقات والعهود الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان، إذ أن لكل إنسان أن يمارس حرية المعتقد والدين بالطباعة والنشر ضمن حدود النظام العام. وله أن يحرّف نص كتاب مقدّس أو أن يغيّر في معناه طالما أن هذا التغيير لا يشكّل اعتداء على المشاعر الدينية أو إهانة أو تحقيرا لها أو للديانة المعنية. وعلى هذا الأساس، فان التغيير في معنى النص الديني لا يمس النظام العام ولا ينال من المشاعر الدينية وخصوصا أن المعتقد الديني يقوم أساسا على الإيمان. فلكل إنسان أن يقبل بالمعتقد الديني الذي يقتنع به أو أن يغيّر ديانته دون قيد أو شرط وفق ما ينص عليه الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان طالما أن الديانة أو المعتقد الديني هو من المعتقدات المعترف بها رسميا.

ومن هنا يظهر جليا أن المشرع أراد أن يحد من هذه الحرية بنية محاربة بعض البدع والحركات الدينية كحركة شهود يهوا وبعض الحركات الإنجيلية التي تغاير تعاليمها تعاليم الكنيسة الكاثوليكية. وبهذا فهو يحد من حرية التعبير الديني بشكل مخالف للدستور وللاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان ومنها حرية إبداء الرأي كتابة وشفهيا.


باء : الاعتداء على الحرية الشخصية.


تشمل الحرية الشخصية، بمعناها العريض، الحقوق التي يمكن للإنسان التمتّع بها منفردا دون انتسابه إلى جمعية أو إلى حزب أو إلى نقابة مهنية أو إلى جماعة معيّنة أو إلى طائفة أو مذهب معيّن[34]. ويعنى بذلك الحرية صرف الخاصة، أي تلك التي تعني الإنسان بنشاطه الشخصي وبحركته وبعمله وبانتقاله وبجسده. ويدخل ضمن مفهوم هذه الحرية حرية الإنسان في الانتقال وعدم القبض عليه إلا لارتكابه جرما جزائيا يعاقب القانون عليه بالحرمان من الحرية. وتكفل المادة الثامنة من الدستور اللبناني هذه الحرية، إذ أنها تنص على " أن الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقا لأحكام القانون...". وهذا ما تؤكّد عليه أيضا المادة الثالثة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان، وكذلك المادة 9-1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن " لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية ولا يجوز القبض على أحد أو توقيفه بشكل تعسفي. كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه".

ولكن حق الشخص في أن لا يقبض عليه تعسفا لا يشكّل الحرية الشخصية الوحيدة، بل هناك حقوقا أخرى تدخل في نطاق ممارسة الحرية الشخصية وهي على اتصال مباشر بسلوك الفرد الشخصي وبحياته الشخصية كالحق في سرية وقدسية الحياة الشخصية والحق في العمل والحق في الزواج والحق في الحياة وفي السلامة الجسدية الخ.

ويلاحظ على هذا الصعيد أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يحد من ممارسة بعض هذه الحقوق، فيطال خصوصا من حرية السلوك الشخصي للفرد ومن حرية العمل ومن حرية الزواج.


1 – الحد من حرية السلوك الشخصي.


يدخل في إطار حرية السلوك الشخصي ما يقوم به الإنسان من تصرفات فردية بصفته كائن بشري يتعايش ويتفاعل مع محيطه الاجتماعي. وقد تُجرّم هذه التصرفات بنصوص قانون العقوبات بالنظر إلى ردة فعل المجتمع السلبية تجاهها وبالنظر إلى خطورتها على هذا المجتمع، كتجريم السلوك الشخصي المنافي للحشمة مثلا والمتحقق في مكان عام أو على مرأى من الجمهور.

ولكن وبعد مراجعة نصوص اقتراح قانون تعديل العقوبات يتبيّن أنه يسبغ الصفة الجرمية على بعض من سلوك الإنسان الشخصية التي لا يجمع الكل على وصفها بالخطرة أو بالمخلة بالنظام العام أو على إمكان إلحاقها الضرر بالغير، مما يشكّل مسا بالحرية الشخصية للفرد ومخالفة لأحكام الاتفاقات والمواثيق الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان. ويظهر هذا الوضع جليا من خلال معاقبة الاقتراح المذكور أعلاه فعلي التشرّد والزنى.


أ – فعل التشرّد.


يعد متشردا، بموجب أحكام المادة 614 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات، كل شخص غير عاجز لا يتخذ له قصدا مسكنا فعليا دائما ولا يحوز موارد تمكّنه من العيش ولا يسعى لكسب رزقه. ويعاقب مرتكب هذا الفعل بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر. ويمكن أن يقضى بحجزه في دار للتشغيل وفق أحكام المادة 79 من الاقتراح ذاته.

ويبدو أن نص المادة 614 المذكورة يحد من حرية الشخص في أن يعتمد السلوك الذي يرتأ يه مناسبا في حياته الشخصية طالما أن السلوك المذكور لا يؤدّي إلى إلحاق الضرر بالغير ولا يشكّل اعتداء على حقوق الناس أو على حياتهم أو على أرزاقهم أو على النظام العام. فأن لا يسعى الإنسان لكسب رزقه، ذلك لا يؤلّف فعلا جرميا يوجب معاقبة فاعله بحرمانه من حريته. هذا لأن لكل إنسان الحق في أن لا يسعى لكسب رزقه وفي أن لا يتخذ له مسكنا فعليا شرط أن لا يلحق الضرر أو الأذى بالغير وشرط أن لا يمس بالنظام العام أو بالسلامة العامة. ولذلك فان اعتبار هذا الفعل جريمة يعاقب عليها بالحبس لا يتناسب مع واقعة فعل التشرد الذي قد لا يتآلف مع السلوك الاجتماعي المتعارف عليه بين الناس.

ففعل التشرّد يمكن وصفه بالخطأ المدني أو المسلكي. ولكن لا يصح أن تسبغ عليه الصفة الجرمية لأن ذلك يتنافى مع الحرية الشخصية المصونة بأحكام الدستور وبأحكام الاتفاقات الدولية التي تحمي حقوق الإنسان. وتأكيدا على عدم تناسب هذا الوصف الجرمي مع خطورة فعل التشرّد وعلى أن هذا الوصف يحد من حرية الفرد الشخصية، أزال المشرّع الفرنسي الصفة الجرمية عن هذا السلوك ولم يعد يعتبره جريمة يعاقب القانون عليها، وذلك منذ دخول قانون الجزاء الفرنسي الجديد حيز التنفيذ في تاريخ الأول من آذار سنة 1994 .


ب- فعل الزنى.

لم ينزع بعد المشرّع اللبناني الصفة الجرمية عن فعل الزنى رغم أن هذا السلوك لم يعد يشكّل جريمة جزائية في معظم التشريعات الجزائية في البلدان الليبرالية ومنها خصوصا التشريع الفرنسي حيث ألغيت جريمة الزنى منذ القانون الصادر في 11 تموز سنة 1975 .

وعلى الرغم من أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يخطو خطوة مهمة في هذا المجال بإلغائه التمييز بين زنى الرجل وزنى المرأة[35]، وبمعاقبته على الزنى بالعقوبة ذاتها سواء ارتكب الزنى من قبل الزوج أو من قبل الزوجة ( م 487 من الاقتراح المذكور)، وبنصه على أن فعل الزنى لا يلاحق إلا بناء على شكوى أحد الزوجين باتخاذه صفة الادعاء الشخصي ( م 489 )، فهو لا يزال يعتبر هذا السلوك الشخصي جريمة توجب العقاب بالحرمان من الحرية.

يعتبر هذا التجريم في أيامنا هذه اعتداء على الحرية الشخصية للفرد أو مسا بحرية سلوكه الشخصي، طالما أن فعل الزنى لا يلحق الضرر بمصلحة عامة أو بقيمة عليا يعتبر الاعتداء عليها مسا بالشعور العام.

فقد ينسى البعض أنه ولّت الحقبة التي كانت تعتبر فيها المجتمعات الزنى جناية خطرة، وذلك مع تحوّل المفاهيم الاجتماعية وتطورها ومع تطوّر أيضا تعاريف القيم الاجتماعية ( Valeurs sociales ) الواجب حمايتها جزائيا. فالكل يوافق اليوم، في المجتمعات الديمقراطية والليبرالية، على أن فعل الزنى يشكّل خطأ أخلاقيا أو مدنيا تترتب عليه مسؤولية عائلية أو مدنية، ولكنه لا يؤلّف في أي حال جريمة توجب إنزال العقاب الجزائي بمن ارتكبه. ولهذا فان الإبقاء على هذا التجريم في التشريع الجزائي اللبناني يخالف مفاهيم الحرية الشخصية المصونة بأحكام الاتفاقات الدولية التي ترعى حقوق الإنسان.

هذا يدل كذلك على أن المشرّع اللبناني يسير إلى الوراء وليس إلى الأمام متنكرا ليس فقط للمفاهيم العصرية للحرية وللحقوق، بل متناسيا أيضا قول السيد المسيح: من كان منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الزانية بحجر.


2- الحد من حرية العمل


كرّس الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان حرية العمل في المادة 23 منه التي تنص على أن " لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة"، وعلى أن " لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر عادل يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان".

وتضمن كذلك المادة 22 –2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذه الحرية بنصها على أن ليس ما يخوّل الدول الأطراف في " اتفاق منظمة العمل الدولية لعام 1948 بشان حرية العمل وحماية الحق في تنظيم العمل والانتماء إلى النقابات، اتخاذ الإجراءات التشريعية التي من شأنها الإضرار بالضمانات المنصوص عليها في ذلك الاتفاق أو تطبيق القانون بشكل يؤدي إلى الإضرار بتلك الضمانات".

ويظهر من خلال قراءة نص المادتين 340 و 341 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات أن هذا الاقتراح يخالف بشكل صريح حرية العمل ويحد من حرية العامل بصورة مناقضة لنصوص الاتفاقات الدولية المشار إليها أعلاه. فقد جاء في المادة 340 المذكورة أنه " إذا أقدم ثلاثة على الأقل من موظفي أو مستخدمي الدولة أو ممن يقومون بخدمة عامة، تنفيذا لاتفاق بينهم، على ترك عملهم، ولو في صورة الاستقالة، أو امتنعوا قصدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم، سعيا منهم لتحقيق غرض خاص بهم، عوقب كل منهم بالحبس ستة أشهر على الأكثر وبالغرامة من ثلاثمائة ألف إلى مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ويعاقب كل منهم بالحبس والغرامة المحددين في الفقرة الأولى إذا كان من شأن الترك أو الامتناع عرقلة سير العمل في إدارة أو مصلحة عامة أو مؤسسة عامة".

أما المادة 341 من الاقتراح ذاته فتعاقب بالحبس ستة أشهر على الأكثر وبالغرامة حتى خمسة ملايين ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أصحاب العمل أو رؤساء المشاريع أو المتعهدين أو المستخدمين أو العمال إذا توقف عن عمله احتجاجا على قرار أو تدبير صادرين عن السلطات العامة أو بقصد الضغط عليها. كما تعاقب بالعقوبة ذاتها إذا أدى التوقف عن العمل إلى عرقلة سير مرفق عام أو مصلحة عامة.

ومقارنة مع نص المادتين 340 و 341 من قانون العقوبات الحالي، يلاحظ أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات الذي يعتمد النص ذاته مع تعديل طفيف في الصياغة، يعاقب الفعل الجرمي المنصوص عليه في المادة 340 بالحبس لمدة ستة أشهر وبالغرامة من ثلاثمائة ألف إلى مليون ليرة بدلا من التجريد المدني المنصوص عليه في المادة 340 من قانون العقوبات، ويعاقب بالحبس لمدة ستة أشهر وبالغرامة حتى خمسة ملايين ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين بدلا من الحبس أو الإقامة الجبرية لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

وبهذا فان النص الجديد، وبدلا من أن يلغي تجريم الأفعال المنصوص عليها في المادتين 340 و 341 المذكورتين أعلاه لتعارضهما مع الحرية الشخصية ومع حرية العمل خصوصا، فهو يخصص لها عقوبات جزائية أشد قسوة من تلك المنصوص عليها حاليا في قانون العقوبات ( الحرمان من الحرية والغرامة مكان التجريد المدني).

بالإضافة إلى ذلك، فان نص المادة 340 يحمل اعتداء أكيدا على حرية العمل بتحظيره على الموظفين أو المستخدمين أو ممن يقومون بخدمة عامة، إذا كان عددهم ثلاثة على الأقل، ترك عملهم أو الاستقالة من عملهم أو من وظائفهم أو الامتناع عن تأدية واجبات وظيفتهم سعيا منهم للاحتجاج على ظروف عملهم أو على شروط هذا العمل، وذلك تحت طائلة ملاحقتهم جزائيا وإنزال عقوبة الحبس والغرامة بهم أو إحدى هاتين العقوبتين. كما أن المادة 341 من الاقتراح تحمل الاعتداء ذاته بمنعها كل من أصحاب العمل أو رؤساء المشاريع أو المتعهدين أو المستخدمين أو العمال التوقف عن العمل احتجاجا على قرار أو تدبير صادر عن السلطات العامة.

وعلى هذا الأساس، فان المشرع يفرض على العمال والمستخدمين والموظفين وأصحاب المشاريع والمتعهدين القيام بعمل جبري، مما ينافي مبادئ الحرية الشخصية والعدل والإنسانية.

إن هذا النهج التشريعي يشكّل اعتداء فاضحا على حرية العمل المصونة بنص الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان وبالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وباتفاق منظمة العمل الدولية. فللفرد بموجب هذه الاتفاقات الدولية الحق في العمل وفي اختياره بشروط عادلة ومرضية، كما له أيضا حق التوقف عن العمل وحق الإضراب من دون أن يتعرّض لأي عقوبات جزائية لأن الاتفاقات المذكورة تحرّم العمل الجبري مهما كان نوعه. لذا يقتضي إزالة هذين النصين من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات احتراما للحرية الشخصية ولحرية العمل ولكي تتماشى نصوص هذا الاقتراح مع أحكام الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان التي تعهّد لبنان تطبيقها في مقدمة دستوره[36].


4- الحد من حرية الزواج.


تعهّد لبنان الالتزام بمواثيق دولية تكفل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إقرار نظام مدني للزواج، وذلك في مقدمة دستوره التي أضيفت في العام 1990 ( الفقرة "ب" من الدستور) والتي وضعها المجلس الدستوري فيما بعد في مصاف الأحكام الدستورية من حيث قيمتها الدستورية[37].

وقد ضمنت الاتفاقات والمواثيق الدولية صراحة حق الزواج والحق في تكوين أسرة دون قيد أو شرط. وأهم هذه المواثيق صدر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة كميثاق هيئة الأمم المتحدة لعام 1945 والإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وإضافة إلى هذه المواثيق الأساسية، توجد مواثيق دولية أخرى صادرة عن المرجعية الدولية ذاتها وتتعلق مباشرة بحرية الزواج، لكن لبنان لا يلتزم بتطبيقها كاتفاق " الرضى بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج" لعام 1962[38]، والتوصية التي تحمل ذات التسمية والصادرة في العام 1965 [39] . وأكدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الإنسان على أن الدولة اللبنانية لم تلتزم بتعهداتها الدولية لجهة احترام حرية الزواج، إذ جاء في البند 17 من الملاحظات الختامية للجنة المذكورة حول التقرير المقدم من الحكومة اللبنانية سنة 1997 ما يأتي : " ... وتشعر اللجنة بالقلق ( كذلك) إزاء ( توافق) القوانين والأنظمة التي لا تسمح للمواطنين بأن يبرموا عقود زواج إلا وفاقا لقوانين وإجراءات إحدى الطوائف الدينية المعترف بها..."[40].

ويبدو واضحا أن القوانين الوضعية اللبنانية المتعلقة بالزواج تتعارض مع حرية الزواج المكرّسة بأحكام الاتفاقات الدولية المذكورة أعلاه وخصوصا مع أحكام المادة 16 –1 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان التي تنص على أن " للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق الزواج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله". كما تخالف أحكام المادة 23-2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها أنه " يعترف بحق الرجال والنساء الذين في سن الزواج بالزواج وبتكوين أسرة".

وإضافة إلى هذا الوضع المغاير لحقوق الإنسان والذي لا يقر بنظام مدني للزواج، فان اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات سار على خطى قانون العقوبات الحالي، على هذا الصعيد، فحد ببعض نصوصه من حرية الزواج فارضا على ممارسة هذا الحق بعض القيود المخالفة للاتفاقات والمواثيق الدولية المشار إليها أعلاه، وذلك تحت طائلة ملاحقة مخالفها جزائيا والحكم عليه بعقوبات جزائية بالحرمان من الحرية وبالغرامة. فهو يعاقب من جهة رجل الدين الذي يخالف الأحكام القانونية المتعلقة بتغيير الدين أو المذهب باحتفاله بزواج ديني مختلط ( 1 ) ، وفعل رجل الدين الذي يعقد زواج امرأة قبل انقضاء عدتها من جهة أخرى ( 2 ).


1 – الاحتفال بزواج ديني خلافا للأصول المتعلقة بتغيير الدين أو المذهب.


تعاقب المادة 476 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات بالغرامة من خمسمائة ألف إلى خمسة ملايين ليرة[41] كل رجل دين خالف الأحكام القانونية المتعلقة بتغيير الدين أو المذهب أو احتفل بالزواج الديني قبل أن يتثبّت من مراعاة الأحكام المذكورة. وبهذا تفرض هذه المادة على رجل الدين، في صورة غير مباشرة، أن لا يحتفل سوى بزواج الأشخاص الذين ينتمون إلى طائفة واحدة أو مذهب واحد، أو بزواج الأشخاص الذين لا ينتمون إلى ذات المذهب أو الطائفة أصلا ولكن أحدهم أقدم على تغيير مذهبه أو طائفته وفقا للأحكام القانونية ( المذهبية أو الطائفية) المتعلقة بتغيير الدين أو المذهب. وهذا يعني انه لا يجوز لرجل الدين إتمام زواج رجل وامرأة في حال انتمى أحدهما إلى طائفة أو إلى مذهب يختلف عن ذلك الذي ينتمي إليه الطرف الآخر تحت طائلة ملاحقته جزائيا وإنزال عقوبة الغرامة به. وبمعنى آخر، لا يمكن الإقدام على عقد زواج مختلط، دون تغيير أحد الطرفين مذهبه أو طائفته، لأن ذلك يشكّل، وفقا للتشريع اللبناني، اعتداء على النظام العام وانتهاكا لقوانين الأحوال الشخصية.

إن هذا الوضع التشريعي يخالف بشكل واضح وصريح حرية الزواج المكرّسة بالاتفاقات والمواثيق الدولية المذكورة أعلاه، وهذا ما أكّد عليه صراحة قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في 16 تموز سنة 2002 في قضية Selim c / Chypre. وكان المستدعي، الذي هو من التابعية القبرصية، قد اعترض من جهة على قرار الحكومة القبرصية القاضي بمنعه من عقد قرانه مدنيا على إحدى الرومانيات بحجة أن القانون القبرصي المتعلق بالزواج لا يسمح لقبرصي-تركي من الطائفة الإسلامية أن يعقد زواجا مدنيا، ومن جهة أخرى على قرار الحكومة ذاتها بمنع دخول زوجته إلى الأراضي القبرصية بعد أن تزوجها مدنيا في رومانيا. وقد أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن قرار الحكومة القبرصية يخالف المواد 8 و 12 و 13 و 14 من الاتفاق الأوروبي المعني بحماية حقوق الإنسان لجهة خرقه حق كل شخص بحياة عائلية هادئة وحقه بالزواج وبتأسيس عائلة دون قيد بسبب الدين أو العرق، ولجهة مخالفته أيضا المبدأ القاضي بعدم التفرقة بين الأفراد على أساس الدين أو العرق أو الانتماء السياسي. وقضت على هذا الأساس ببطلان هذا القرار وبإلزام الحكومة القبرصية بدفع مبلغ من المال إلى الشخص المتضرر على سبيل العطل والضرر[42] .

وتأسيسا على ما تقدّم، لا يجوز أن يعتبر فعل رجل الدين الذي لا يتطابق مع نص المادة 476 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات جريمة جزائية يعاقب على ارتكابها بعقوبات جزائية، وإنما خطأ مدنيا قد يستحق المساءلة المدنية في حال وجود ضرر فعلي ناتج عن معاملة عقد الزواج.


2- عقد زواج امرأة قبل انقضاء عدتها.


تحظّر المادة 484 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات على رجل الدين أن يعقد زواج امرأة قبل انقضاء عدتها تحت طائلة ملاحقته جزائيا ومعاقبته بالحبس من عشرة أيام إلى شهر وبالغرامة من خمسمائة ألف إلى ثلاثة ملايين ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وهذا يعني انه لا يحق لرجل الدين عقد زواج امرأة مطلقة قبل انقضاء مدة ثلاثة اشهر على تاريخ طلاقها.

قد يكون لهذا النص فائدته لجهة التأكد من بنوة الولد الذي قد تكون المرأة حاملة به قبل طلاقها بفترة قصيرة نتيجة علاقتها الشرعية مع زوجها، أو لاثبات عدم أبوة الرجل الذي طلّقت منه للولد الذي حملت به بعد طلاقها ربما نتيجة لعلاقتها برجل آخر. ولكن، مهما يكن من أمر، لا يجوز أن يشكّل فعل عدم التأكد من انقضاء عدة المرأة المطلّقة جرما جزائيا يعاقب عليه بالحرمان من الحرية وبالغرامة وخصوصا أن الاتفاقات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان لا تقيّد حق الزواج بين الرجل والمرأة البالغين بأي قيد أو بأي شرط .

يمكن التسليم بأن هذا الفعل المتأتي من الإهمال قد تترتب عليه مسؤولية مدنية يلاحق رجل الدين على أساسها مدنيا. ولكن لا يجوز القبول بأن يؤلّف هذا الإهمال غير المقصود جرما جزائيا تتولد منه مسؤولية جزائية تقضي بحرمان رجل الدين من حريته وبإنزال الغرامة به.

ولهذا فان نص المادة 484 من اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يحمل اعتداء مؤكّدا على حرية الزواج وعلى نص المادة 18 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان التي تنص على أن لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، وعلى أن هذا الحق يشمل حرية الشخص بعدم التقيد بما تمليه الديانات على الإنسان وحرية تغيير الدين والمعتقد.


نؤكّد، في نهاية هذه الدراسة، أن المشرّع بوضعه اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يبرهن مرة أخرى على أنه يخطو إلى الوراء وليس إلى الأمام متنكرا للمبادئ الليبرالية المعاصرة التي تحكم عملية التشريع الجنائية في البلدان الديمقراطية ومتناسيا مفاهيم القيم الاجتماعية المعتمدة في هيئات المجتمع الدولي وأهمها مفاهيم حقوق الإنسان والقواعد الأساسية التي تحكم القوانين الجزائية.

يبدو واضحا ان الإرادة القمعية والسلطوية والنظريات الأمنية المفروضة من قبل السلطة تحكّمت بذهنية المشرّع الجزائي فألزمته اعتماد هذه المعايير في عملية التشريع التي قام بها وذلك كبتا للحرية ومحبة في وضع اليد على البلاد بواسطة القمع الذي أريد له أن يكون شرعيا بواسطة قانون عقوبات فصّل على الطلب.

ولكن غاب عن مخيلة المشرّع إن الشرعية لا تقوم إلا على سلطة دستورية نابعة من إرادة شعبية يفتقر هو لها منذ البدء ولم ولن يحصل عليها أبدا. هذه الشرعية تعود يوم تعود للبنان حريته وسيادته واستقلاله على يد من أولاهم الشعب يوما ثقته ومن سيعود يوما لاستعادة هذه الشرعية المغتصبة.

وليعلم من يعتقد بأنه باق، كما كان يعتقد الرايش العراقي دائما، أن فجر الحرية سينبلج قريبا ليذهب كل ما قام وما بني على الباطل وعلى القمع والاغتصاب، وليعود الوطن لمن يؤمن بحريته وسيادته واستقلاله ولمن لا ولن يختار سوى لبنان الحر، بلد الشرائع العادلة، بلد بيروت أم الشرائع، ووطن اشهر مدرسة للحقوق في العالم .

ولا بد من أن نذكّر أخيرا بالقول المأثور الذي جاء على لسان أحمد لطفي السيد:

" اني لأعجب من الذي يظن الحياة شيئا والحرية شيئا آخر، ولا يريد أن يقتنع بأن الحرية هي المقوّم الأول للحياة، ولا حياة إلا بالحرية".

فهل آن لهذا أو لذاك أن يقتنع؟ نأمل ذلك...


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - ألغيت في فرنسا جريمة الزنى بالقانون الصادر في العام 1975 والذي عرف بقانون Weil نسبة إلى اسم النائبة صاحبة اقتراح القانون.

[2] - يعاقب قانون العقوبات اللبناني فعل الإجهاض بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات ( م 541 ) وفعل استعمال الوسائل المانعة من الحمل وترويجها بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من مائة ألف إلى خمسماية ألف ليرة ( م 439 و 540 ) . وينص اقتراح تعديل قانون العقوبات على معاقبة المرأة التي تجهض جنينها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين ( بدل ثلاث سنوات) وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة ( م 541 : عقوبة جديدة). أما بالنسبة لاستعمال الوسائل التي تؤدي إلى الإجهاض والتي ينص عليها هذا الاقتراح فهي الحبس من شهرين إلى سنتين والغرامة من مليون إلى خمسة ملايين ليرة ( م 539 و 540 ).

[3] Traité des délits et des peines, Chapitre XVI

[4] V. en ce sens : P.BOUZAT : Bulletin social et criminel, 1963-1964, p.373- CANNAT : « peut-il exister une peine de remplacement de la peine de mort ? », Revue de science criminelle, 1967, p. 477- CHARPENTIER et A.NAUD : « pour et contre la peine de mort », paris, 1967- L. LAMBERT : « L’abolir sauf pour … », Gazette du Palais, 1972, 2, doctrine, p. 530- « La peine capitale », rapport ANCEL au conseil de l’Europe, 1962- L. THIBAULT : « La peine de mort en France et à l’étranger », Gallimard, 1977- Amnesty international, Revue de science criminelle, 1977, p. 919- CHAST : « Evolution de la législation sur la peine capitale en Europe », Revue de science criminelle, 1979, p. 411- BARBERO SANTOS : « La peine de mort en Espagne ; histoire de son abolition », Mélanges P.BOUZAT, p. 103- Danièle MAYER : « Le principe du respect par l’Etat du droit à la vie de ses citoyens doit-il être inconditionnel ? », Revue pénitentiaire, 1985, p. 141- P. BOUZAT : « Constatations et réflexions sur l’application actuelle de la peine de mort et celle des peines créés pour la remplacer », Mélanges André VITU, 1989, p. 87.

[5] - المادة الخامسة من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان والمادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاق الأوروبي المعني بحماية حقوق الإنسان.

[6] - V. en ce sens : R. MERLE et André VITU : Traité de droit criminel, 7e édition, Editions CUJAS, 1997, n°739, p. 914- Chantal de LAMY-VELLAS : « Le travail pénitentiaire », Thèse , Toulouse 1982- MILLET : Le travail en prison, Ministère de la justice, 1982- CASE-LAW TOPICS : Publication de la commission européenne des droits de l’Homme, version française, 1974, p. 14 et s.

[7] - تنص المادة 23/1 من الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان على أن " لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية. كما له حق الحماية من البطالة.

[8] V. dans ce sens : DECOCQ : Revue de science criminelle, 1974, p. 895- R. MERLE : « La convention européenne des droits de l’homme et la justice pénale française », Dalloz 1991, Chronique, p. 227- R.MERLE et A. VITU : Traité de droit criminel, 7e édition, éditions CUJAS, 1997, n° 777, p. 948.

[9] Cons..Const., 30 décembre 1987 et 19 janvier 1989 – Cons..Const. 16 juillet 1996, Journal officiel, 23 juillet 1996, p. 11108- Cons. Const. ; 19-20 janvier 1981, D. 1982, p. 441, note DEKEUWER ; JC.P. 1981, II, 19701, note FRANCK- Cons. Const ; 84-176 DC 25 juillet 1984- Cons.const., 86-215 DC 3 septembre 1986, G.P., 1986, 2, p. 474- Cons. Const., 93-334, 20 janvier 1994, J.O, 26 janvier, p. 1380- V. aussi en ce sens : J.PRADEL : Droit pénal général, 11e édition, éditions CUJAS, n° 151, p. 192- R.MERLE et A. VITU : Traité de droit criminel, 7e édition, Editions CUJAS, 1997, n° 203, p. 284.

[10] - يذكر أن الشيك من دون رصيد لم يعد يشكّل في التشريع الجزائي الفرنسي جرما يعاقب عليه بعقوبات جزائية الآ في الحالات التي يفترض معها ارتكاب جرم الاحتيال أو التي يكون فيها فعل الشيك دون رصيد قد ارتكب بقصد إلحاق الضرر بالدائن، وذلك منذ القانون الصادر في 30 كانون الأول سنة 1991 .

[11] - المادة 222/23 من قانون الجزاء الفرنسي الجديد.

[12] - Jurisprudence de la Cour de Cassation française en la matière sous l’empire de l’ancien Code pénal : « L’article 332 du code pénal, en sa rédaction issue de la loi du 23 décembre 1980, n’a d’autre fin que de protéger la liberté de chacun, et n’exclut pas de ses prévisions les actes de pénétration sexuelle entre personnes unies par les liens du mariage, lorsqu’ils sont imposés dans les circonstances prévues par ce texte » : Crim., 5 septembre 1990, Bull.crim., n°313 ; Dalloz 1991, p.13, Note ANGEVIN ; J.C.P 1991, II, 21629, Note Michèle-Laure RASSAT- Gazette du Palais 1991, I, P.58, note DOUCET- « La présomption de consentement des époux aux actes sexuels accomplis dans l’intimité de la vie conjugale ne valant que jusqu’à preuve contraire » : Crim., 11 juin 1992, Bull.crim., n°332 ; Dalloz 1993, p. 117, note Michèle-Laure RASSAT- Crim., 17 juillet 1984, Bull.crim., n° 260 ; D. 1985, 7, p.614 ; Revue de science ceiminelle 1985, p. 82, obs. G.LEVASSEUR-

Jurisprudence identique sous l’empire du Nouveau Code pénal français ( art. 222/23) : Crim., 26 septembre 1994, Dr.pénal 1995, 6, note VERON- Sur la jurisprudence de la Cour européenne qui condamne le viol entre époux V. : CDEH, 22 novembre 1995, 2, arrêts, C.R. et S W c/ Royaume-Uni : Revue de science criminelle 1996, p. 473, obs. KOERING-JOULIN ; RTD civ. 1996, p. 512, obs. MARGUENAUD; Gazette du Palais 1997, 2 , Doctrine, p. 945, obs. P.NUSS

[13] R.MERLE et A. VITU : Traité de droit criminel, op.cit., n° 184, p. 266- Voir aussi dans le même sens : GARRAUD : Traité de droit pénal, I , n° 174- DANTI-JUAN : L’égalité en droit pénal, Thèse, Poitiers, 1984- Décisions du Conseil Constitutionnel français : 56DC 23 juillet 1975, Dalloz 1977, p. 629, note HAMON et LEVASSEUR ; J.C .P. 1975, II , 18200, note K.FRANCK – Comp. Cons. Const. 86-213 DC , 3 septembre 1986, Gazette du Palais 1986, p. 468.

[14] V. en ce sens : Michèle-Laure RASSAT : Droit pénal spécial : Infractions des et contre les particuliers, 2e édition, Précis Dalloz, 1999, n°425 –

[15] Crim., 5 juillet 1983, Bull.crim., n°217- TGI Paris, 20 mai 1998, D. 1999, Sommaire 163, obs. DUPEUX- Crim., 8 mars 1995, Bull.crim., n° 144- Crim., 24 juillet 1956, Bull.crim., ,° 577- Crim , 30 octobre 1953, Bull.crim., n° 358 ( Diffamation contre la Gendarmerie)- Crim., 23 mai 1989, Dr. Pénal 1990, commentaire n°11 ( Diifamation contre la Police nationale)- Crim., 17 février 1955, D. 1955, p. 419- Crim., 27 janvier 1993, D. 1993, p. 191, note BURGELIN- Crim., 5 juin 1845, D. 1845, I , p. 348- Crim., 12 juillet 1972, Bull.crim., n° 242.

[16] تؤكّد الغرفة الجزائية في محكمة النقض الفرنسية على هذا الموقف التشريعي في العديد من قراراتها :

Crim., 13 février 1973, Bull.crim., n° 71- Crim., 21 mai 1974, Bull.crim., n° 190- Crim ;, 26 avril 1994, Dr. Pénal 1994, Commentaire n° 208- Crim ., 3 JUILLET 1885 , D. 1886 , P 477-

[17] تجدر الإشارة الى أن القانون الفرنسي المذكور أعلاه يصف جرائم القدح والذم بجرائم المطبوعات.

[18] أي الذم الحاصل بوسائل النشر أو الحاصل في مكان عام او مباح للجمهور

[19] Michèle-Laure RASSAT : Droit pénal spécial : infractions des et contre les particuliers, 2e édition, Précis Dalloz, 1999, n° 419, P . 400- V. aussi dans le même sens la jurisprudence qui autorise à la personne poursuivie pour diffamation ou pour injures de prouver la vérité des faits diffamatoires ou injurieux : Crim., 16 mars 1948, J.C.P. 1948, II , 44431, note COLOMBINI- Crim., 3 mars 1949, D. 1949, p. 205, note A.L.P. et J.C.P. 1949, II , 4978, note CLOMBINI – Crim., 12 novembre 1954, D 1954, p. 765 –

كنا قد أشرنا أعلاه إلى الحالات التي لا يجوز فيها إثبات صحة الأمر المنسوب إلى الشخص الواقع عليه الذم أو القدح والمنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 35 من قانون المطبوعات الفرنسي الصادر في 29 تموز 1881 .

[20] Qui n’exclut d’ailleurs pas le devoir de résister aux ordres injustes.

[21] R.MERLE et A.VITU : Traité de droit criminel, 7e édition, éditions CUJAS, 1997, n° 450, p. 571-572 – V. aussi dans le même sens : P. COSTE-FLORET : La répression des crimes de guerre et le fait justificatif de l’ordre supérieur, Dalloz, 1945, Chronique p. 21 – GARRAUD : Traité de droit pénal, II , p. 455-

[22] Crim., 19 octobre 1994, Dr. Pénal 1995, p. 36, Obs. VERON – V. aussi dans le même sens : Crim., 23 janvier 1997, Bull., crim., n° 32 ; D. 1997, p. 147, note J.PRADEL ; J.C.P. 1997, II, 22812, note J.H. ROBERT

[23] أنظر في هذا المعنى: الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام، الطبعة الثانية، 1975 ، ص 779 وما يليها.

V. aussi dans le même sens : R.MERLE et A.VITU : Traité de droit criminel, 7e édition, éditions CUJAS, 1997, n° 816 et s., p. 979 et s.


[24] انظر أيضا في المعنى ذاته المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

[25] يشار إلى أن قانون الجزاء الفرنسي لا ينص على عذر مماثل. كما أن المشرّع الفرنسي ألغى جريمة الزنى منذ القانون الصادر بتاريخ 11 تموز 1975

[26] لا يأخذ المشرّع الفرنسي بتاتا بنظرية الدافع، حتى ولو كان الدافع شريفا.

[27] يقتضي التفريق بين الحريات الفردية، التي يتمتّع بها الفرد والتي تكرّسها الاتفاقات والعهود الدولية كحرية الرأي والمعتقد والدين، والحرية الفردية التي تحمي الفرد ضد التوقيف الاعتباطي أو غير القانوني.

[28] Louis FAVOREU, Patrick GA?A, Richard CHEVONTIAN, Jean-Louis MESTRE, Otto PFERSMANN, André ROUX, Guy SCOFFONI : Droit constitutionnel, Précis Dalloz, 5e édition, 2002, n° 1280, p. 763-764.

[29] V. aussi dans ce sens l’article 11 de la Convention européenne des droits de l’homme : « Toute personne a droit à la liberté de réunion pacifique et à la liberté d’association, y compris le droit de fonder avec d’autres des syndicats et de s’affilier à des syndicats pour la défense de ses intérêts ».

[30] Article 431/9 du Code pénal français : « Est puni de six mois d’emprisonnement et de 7500 euros d’amende le fait : 1° D’avoir organisé une manifestation sur la voie publique n’ayant pas fait l’objet d’une déclaration préalable dans les conditions fixées par la loi ;

2° D’avoir organisé une manifestation sur la voie publique ayant été interdite dans les conditions fixées par la loi ;

3° D’avoir établi une déclaration incomplète ou inexacte de nature à tromper sur l’objet ou les conditions de la manifestation projetée ».

[31] تراجع في هذا المعنى القرارات التالية الصادرة عن الغرفة الجزائية لمحكمة النقض الفرنسية:

Crim., 23 mai 1955, Bull.crim., n° 256 : « L’article 4-2° du décret du 23 octobre 1935 punit ceux qui auront participé à l’organisation d’une manifestation non déclarée »- Crim., 23 mars 1953, Bull., crim., n° 106 : « … Ce délit concerne seulement les organisateurs d’une telle réunion, et non les simples participants » - V . aussi dans le même sens : Crim ., 23 février 1954, Bull., ceim., n° 86- Crim., 26 juillet 1955, Bull., crim., n° 371.

[32] يراجع في هذا المعنى نص المادة 431/10 من قانون الجزاء الفرنسي.

[33] للقاضي حق النطق بإحدى هاتين العقوبتين.

[34] Voir en ce sens : Jean GICQUEL : Droit constitutionnel et institutions politiques, Editions Montchrestien, 18e édition, 2002, p. 92 et s. – Louis FAVOREU, Patrick GA?A, Richard GHEVONTIAN, Jean-Louis MESTRE, Otto PFERSMANN, André ROUX, Guy SCOFFONI : Droit constitutionnel, Précis Dalloz, 5e édition, 2002, n° 1282 et s., p. 764 et s.

[35] يميّز المشرّع اللبناني في قانون العقوبات الحالي، في شكل مغبن و مخالف لمبدأ المساواة، بين حقوق الرجل وحقوق المرأة في ما خص فعل الزنى. فبينما تعاقب المادة 487 من القانون المذكور الزوجة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، تعاقب المادة 488 من القانون ذاته الزوج الزاني بالحبس من شهر إلى سنة ( أي بعقوبة أخف). كما لا يمكن، بموجب المادة 489 من هذا القانون، ملاحقة الزوج بجرم الزنى إلا إذا ارتكب هذا الفعل في البيت الزوجي. وهذا يعني أن الرجل يستفيد من سبب تبريري غير محق فيما لو ارتكب الزنى في أي مكان آخر خارج المنزل الزوجي، ولا يمكن تاليا ملاحقته جزائيا. أما الزوجة الزانية فتلاحق بجرم الزنى سواء ارتكبت هذا الفعل خارج المسكن الزوجي أو في المسكن الزوجي.

[36] يذكر على هذا الصعيد أن الدولة اللبنانية اتهمت عدة مرات من قبل منظمات تعنى بحماية حقوق الإنسان بتشجيع الاتجار بالعمال وبالمستخدمين الأجانب وممارسة تجارة البشر.

[37] كان الفقيه الدستوري ادمون رباط قد أسبغ صفة القدسية على مقدمة الدستور لأنها في حقيقتها الموضوعية " إنما هي بمثابة الإعلان الدستوري لما يستند إليه لبنان من الأركان الثابتة وما يؤمن به الشعب اللبناني" ( ادمون ربّاط : دراسة غير مكتملة عن مقدمة ميثاق الطائف شاءها توطئة لكتاب الرئيس حسين الحسيني ونشرت في صحيفة النهار بعد وفاته).

[38] صدّقت هذه الاتفاقات بموجب القرار 1763 ألف/د، تاريخ 17/11/1962 ودخلت حيز التنفيذ في تاريخ 9/12/ 1964 .

[39] التوصية ذات الرقم 2018/د-20 تاريخ 1/11/1965 .

[40] “ The committee is concerned about the compatibility of laws and regulations which do… not allow Lebanese citizens to contract marriage other than in accordance the laws and procedures of one recognized religious communities”.

[41] تعاقب المادة 476 من قانون العقوبات الحالي الفعل ذاته بالغرامة من خمسين ألف إلى خمسمائة ألف ليرة. وبهذا يتبين أن اقتراح قانون تعديل قانون العقوبات يشدد عقوبة الغرامة المخصصة لهذا الفعل الجرمي بدلا من أن يخففها أو من أن يزيل الصفة الجرمية كليا عن الفعل المذكور.

[42] قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في 16 تموز 2002 ، منشور في نشرة حقوق الإنسان الصادرة عن المجلس الأوروبي، العدد الرقم 57 ، تموز- تشرين الأول سنة 2002 ، ص 5 .