٢٦‏/٦‏/٢٠٠٥

هل يحق للمجلس الدستوري اللبناني المنتهية مدة عدد من أعضائه النظر في الطعون التي قد تقدم أمامه بنتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة؟

النهار 25 حزيران 2005

بقلم الدكتور دريد بشرّاوي
أستاذ محاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية التابعة لجامعة روبير شومان- فرنسا
محام بالاستئناف في نقابة بيروت
محام عام أسبق في فرنسا

يعتبر إنشاء المجلس الدستوري حدثا بالغ الأهمية في مسيرة الديمقراطية النصية( أي المعلن عنها في النصوص) في لبنان، إذ أن هذه المؤسسة العليا تؤلّف، في البلدان الراقية والعريقة بأنظمتها الليبرالية، مرجعا دستوريا تقع على عاتقه مهمات صون الحقوق الدستورية والحريات وتطوير النظام الديمقراطي وتفعيل وتدعيم بناء دولة القانون والمؤسسات. ويتحقق هذا الواقع عبر الرقابة التي يمارسها المجلس الدستوري على دستورية القوانين وسائر النصوص التي تتمتع بقوة القانون، والفصل في صحة انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والبت في الطعون والنزاعات الناشئة عنها والنظر في النزاعات والطعون الناشئة عن انتخابات أعضاء مجلس النواب.

ويكون من موجبات المجلس الدستوري أن يرعى المؤسسات الدستورية وأن يبعدها عن شر التسلط والاستبداد ويحثها على ممارسة مهماتها الدستورية الصحيحة. وهو بذلك يؤلّف الخط الأول المدافع عن الدستور حرصا منه على ضرورة مراعاة أحكامه وتطبيقها التطبيق الصحيح والسليم بحيث تأتي النصوص القانونية متوافقة ليس فقط مع ما تضمّنته مواده، وإنما أيضا مع مقدّمته التي تتمتع بالقوة الدستورية ذاتها. ولهذا فان المجلس الدستوري يعتبر سلاحا فعّالا ضد انحراف النظام البرلماني عن الأهداف المرسومة له دستوريا. وهذا ما أكّد عليه رئيس الحكومة الفرنسية السيد Michel Debré في بدء عهد الجمهورية الخامسة بعد إنشاء المجلس الدستوري الفرنسي حين قال:
« Avec le Conseil constitutionnel la Constitution crée une arme contre la déviation du régime parlementaire » ( Discours prononcé devant l’Assemblée générale du Conseil d’Etat en 1958).

ونظرا إلى أهمية الدور الذي يضطلع به المجلس الدستوري، كهيئة قضائية دستورية، يقتضي أن يكون مستقلا تمام الاستقلال عن باقي السلطات تطبيقا لنص المادة 20 من الدستور اللبناني التي تنص على استقلال القضاة في إجراء وظائفهم وعلى أن تصدر القرارات والأحكام من قبل المحاكم باسم الشعب اللبناني.
غير أنه يلاحظ، على هذا الصعيد، أن الاستقلالية التي يتمتّع بها المجلس الدستوري في النظام اللبناني تبقى في إطار الاستقلالية النسبية مقارنة مع بعض الأنظمة الديمقراطية في العالم ولاسيما مع النظام المعتمد في الولايات المتحدة الأميركية حيث يعين عضو المحكمة الدستورية لمدى الحياة وفق شروط دقيقة وقاسية. ويعزى هذا الخلل إلى طبيعة الآلية القانونية المعتمدة في تعيين أعضاء المجلس الدستوري والمنصوص عليها في القانون الرقم 250 الصادر في تاريخ 14 تموز سنة 1993 والذي أنشأ المجلس الدستوري اللبناني. فبموجب المادة الثانية من القانون المذكور " يعيّن مجلس النواب نصف هؤلاء الأعضاء بالأكثرية المطلقة من عدد الأعضاء الذي يتألف منه قانونا في الدورة الأولى وبالأكثرية النسبية من أصوات المقترعين في الدورة الثانية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سنا يعتبر منتخبا. ويعيّن مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي أعضاء الحكومة".
ويتألف، على هذا الأساس، المجلس الدستوري من عشرة أعضاء يعيّن نصفهم مجلس النواب ويعيّن النصف الآخر مجلس الوزراء أي السلطة الإجرائية أو السياسية. وما يحد في هذه الآلية من استقلال المجلس الدستوري هو تعيين نصف أعضاء هذا المجلس على يد السلطة السياسية في البلاد.
وتكمن خطورة تعيين أعضاء المجلس الدستوري من قبل مجلس الوزراء في أن هذا الإجراء قد لا يتطابق تماما مع معايير الحياد والاستقلالية وضرورة عدم توظيف المصالح الشخصية والسياسية في هذه العملية. وهذا لأن مجلس الوزراء يتألف من عدد من الوزراء ينتمي كل منهم إلى طائفة معيّنة والى تيار أو اتجاه سياسي معيّن، وقد يهم البعض منهم أن يؤمّن مصالح طائفته أو حتى مصالح التيار أو الجهة التي ينتمي إليها في قضية تعيين أعضاء المجلس الدستوري، ما قد يؤدي إلى أن تؤخذ في الاعتبار المسائل الطائفية والسياسية والمصالح الشخصية والتدخلات والمحسوبيات لتطرح جانبا معايير الكفاءة والمناقبية والخبرة التي من الواجب أن يتمتع بها العضو المعيّن والتي يتوجب أن يؤخذ بها دون أي اعتبار آخر. وبسبب هذه الآلية غير السليمة، فان المرجعية السياسية المختصة ( مجلس الوزراء) لم تتمكّن حتى الآن من تعيين بدلاء لأعضاء المجلس الدستوري المنتهية مدة ولايتهم.
لذلك كان يُِِفضّل أن تناط مهمة تعيين كل أعضاء المجلس الدستوري بمجلس النواب على أساس من الخبرة العلمية ومن المناقبية، وبطريقة الاقتراع السري بعد إخضاعهم لمقابلة مع لجنة قضائية متخصصة مؤلّفة من أعلى القضاة في سلكي القضاء ( القضاء لإداري والقضاء العدلي) ومن نقيبي المحامين في بيروت وطرابلس، على أن يسمح لكل من تتوفر فيه الشروط القانونية أن يقدّم ترشيحه إلى عضوية المجلس الدستوري لا أن يحصر مجلس الوزراء أو مجلس النواب خياره بعدد من الأشخاص المنتقين وفقا لرغبات هذه السلطة أو تلك. وبهذا فان اختيار الأعضاء الذين تتوفر فيهم الشروط والصفات المطلوبة بطريقة الاقتراع السري وليس بطريقة التعيين، يشكّل ضمانة فعّالة لاستبعاد المحسوبيات والتدخلات والاعتبارات الشخصية والطائفية في عملية اختيارأعضاء المجلس الدستوري.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن الآلية المعتمدة في اختيار أعضاء المجلس الدستوري في فرنسا لا تؤمّن هي أيضا استقلال هذا المجلس بالشكل الفعّال المطلوب، إذ يعيّن كل من رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ ثلاثة أعضاء دون التقيّد بأي معيار قانوني أو دستوري متعلّق بأهلية العضو المعيّن أو بثقافته القانونية أو الدستورية أو بمدى المستوى العلمي الذي حصّله. ولهذا النظام خطورته على استقلال المجلس الدستوري في ظل النظام السياسي الحزبي السائد في فرنسا. فأكثرية الحزب الحاكمة ( اليمين أو اليسار) هي التي تستأثر في حال فوزها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ( كما هي الحال حاليا) بتعيين أعضاء المجلس الدستوري الذين تنتهي في هذه الفترة مدة ولايتهم دون أن تشرك في ذلك المعارضة التي تكون خارج الحكم، إذ أن رئيس الجمهورية الذي ينتمي إلى الغالبية الحاكمة هو الذي يعيّن رئيس الحكومة من بين هذه الغالبية، بالإضافة إلى أن الأكثرية البرلمانية، أكان في الجمعية الوطنية أو في مجلس الشيوخ، هي التي تأتي برئيس لكل من هذين المجلسين وهو رئيس ينتمي إلى هذه الأكثرية بالتأكيد. وهذا يعني أن المعارضة التي تشكّل الأقلية في البرلمان وان طعنت بدستورية القوانين المطروحة من قبل الأكثرية الحاكمة، قد لا تنجح في مراجعتها إذا كانت غالبية أعضاء المجلس الدستوري قد عيّنت من قبل الأكثرية الحاكمة. فالمجلس الدستوري قد يتأثر، في هذه الحال، ولو بشكل غير مباشر بالضغوط التي قد تمارسها عليه السلطة التي سمّت أعضاءه ورئيسه الذي يعيّنه دائما رئيس الجمهورية.
وفي هذا المجال وجّهت العديد من اتهامات الانحياز وعدم الحياد إلى بعض أعضاء المجلس الدستوري في فرنسا ومنهم بيار شاتنييه ( Pierre CHATENET ) الذي هوجم على هذا الصعيد من قبل مجموعة نواب الحزب الاشتراكي في الجمعية الوطنية ( تراجع في هذا الخصوص صحيفة Le Monde تاريخ 21 كانون الثاني سنة 1976 ). كذلك الأمر بالنسبة لرئيس المجلس الدستوري الفرنسي السيد Roger FREY الذي تعرّض للانتقاد اللاذع من قبل نائب اشتراكي في الجمعية الوطنية في ما خص المناقشات التي كانت دائرة حول موضوع التأميم في تاريخ تشرين الأول سنة 1981 ، ما حدا برئيس الجمهورية آنذاك إلى التدخل لتذكير أعضاء المجلس الدستوري بواجب الحياد والتحفّظ ( يراجع في هذا الخصوص:
( Jean GICQUEL : Droit constitutionnel et institutions politiques, 18e édition, Montchrestien, 2002, p. 717).
إن هذه الآلية المعتمدة في تعيين أعضاء المجلس الدستوري في فرنسا قد تحد من استقلال هذا المجلس، ولكن ليس بشكل خطر ومستمر، وهذا لأن مدة العضو في المجلس المذكور هي تسع سنوات ( م 56 من الدستور الفرنسي) حيث يعتمد أسلوب التجديد الدوري الجزئي وذلك حرصا على مبدأ استمرارية العمل، إذ لا يجوز انتهاء ولاية كل الأعضاء دفعة واحدة في الوقت ذاته.
ويعتمد مبدأ التجديد الدوري في لبنان وفرنسا حيث يتم التجديد الدوري الجزئي كل ثلاث سنوات. ففي فرنسا عيّنت الهيئة الأولى للمجلس الدستوري على الشكل التالي: ثلاثة قضاة لثلاث سنوات، وثلاثة قضاة لست سنوات، وثلاثة قضاة لتسع سنوات. وبهذا فان تغيير الغالبية الحاكمة قد يأتي بأعضاء جدد في المجلس الدستوري غير معينين من الغالبية السابقة التي أصبحت وقت التعيين الجديد في موقع المعارضة. وهذا يؤدي إلى عدم انتماء كل أعضاء المجلس الدستوري إلى لون سياسي واحد والى استقلالية أكبر في قرارات هذا المجلس، ما لا يمكن تحقيقه في النظام اللبناني طالما أن الطبقة الحاكمة تبقى هي ذاتها ولا تأتي بها التعددية الحزبية، وطالما أن المعارضة تبقى أبدا في موقع المعارضة المسايرة وغير الفعّالة.
وفي لبنان حددت المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري المشار إليه أعلاه مدة ولاية العضو في هذا المجلس بست سنوات غير قابلة للتجديد ونصت على وجوب انتهاء ولاية نصف أعضاء أول هيئة للمجلس بعد ثلاث سنوات، واختيار هؤلاء بالقرعة. وتنص المادة ذاتها، كما القانون الفرنسي، على أن مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد وعلى أن لا يجوز اختصار مدة ولاية أي منهم. وهذا ما أكّدت عليه أيضا المادة الثالثة من القانون الرقم 243 تاريخ 7 آب سنة 2000 الذي وضع النظام الداخلي للمجلس الدستوري.
وخلافا لهذه القاعدة الأساسية فان المجلس الدستوري بتركيبته الحالية يضم خمسة أعضاء لم تنته مدة ولايتهم بعد، وخمسة أعضاء آخرين انتهت مدة ولايتهم منذ حوالي سنتين وما زالوا يمارسون وظائفهم، وتم تعيين ثلاثة أعضاء من مجلس النواب منذ أشهر وهم لم يحلفوا اليمين القانونية ولم يقوموا بأية مهمة قانونية أو دستورية حتى الآن. وبهذا فلا يزال ينقص تركيبة المجلس الدستوري تعيين عضوين بقرار من مجلس الوزراء الذي لم يقدم حتى الآن على تنفيذ هذا الإجراء الضروري والملح رغم حلول مواعيد الانتخابات النيابية، هذا مع العلم أنه كان يتوجب عليه الإسراع إلى معالجة هذا الخلل قبل بدء عملية الانتخابات النيابية وذلك إفساحا في المجال أمام أصحاب الشأن والمصلحة للطعن بنتائج الانتخابات التي جرت على أساس قانون انتخابي غير عادل وغير مقبول من شريحة واسعة من اللبنانيين. وبتعيين مجلس النواب لثلاثة أعضاء في المجلس الدستوري، بات المجلس المذكور يتألف من ثلاثة عشر عضوا بدل العشرة أعضاء كون الأعضاء الثلاثة المنتهية مدتهم ما زالوا يقومون بوظائفهم ويتقاضون رواتبهم، مما يناقض قانون إنشاء المجلس الدستوري بشكل فاضح.
وبالنظر إلى المخالفات المتعلقة بالعملية الانتخابية نفسها وبنتائجها والتي يحكى عنها اليوم، فمن المتوقع أن يتلقى المجلس الدستوري قريبا عددا من الطعون القانونية بنتيجة الانتخابات.
ولهذا يطرح السؤال من الناحية الدستورية عن إمكانية النظر في هذه الطعون من قبل مجلس دستوري مؤلف من بعض الأعضاء المنتهية ولايتهم وعن إمكانية تجديد أو تمديد مدة هؤلاء الأعضاء للقيام بمهمات النظر بالطعون المذكورة إلى حين تعيين أعضاء بدلاء لهم وحلفهم اليمين القانونية.
في الحقيقة إن فكرة التجديد تخالف بحد ذاتها الأحكام القانونية وتنال من استقلال المجلس الدستوري وان كان الهدف منها تطبيق قاعدة استمرارية العمل في المؤسسات الدستورية ( أولا). ولكن يجوز للمجلس الدستوري أن ينظر في الطعون المقدمة أمامه وان كانت ولاية أحد أعضائه قد انتهت دون أن يعني ذلك أنه يجوز تمديد مدة ولاية أعضاء هذا المجلس ( ثانيا).

أولا: في عدم امكان تجديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري وان كان هدف التجديد تمكين المجلس من النظر في الطعون الانتخابية.

إن قانون إنشاء المجلس الدستوري الرقم 250 الصادر في 14 تموز سنة 1993 نص في مادته الرابعة على عدم إمكان تجديد مدة ولاية هؤلاء الأعضاء. وأكّد المشرّع على هذه القاعدة بنص المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري الذي وضع بالقانون الرقم 243 تاريخ 7 آب سنة 2000. وهذا يعني بمعنى آخر انه لا يجوز أن يتم تعيين عضو المجلس الدستوري ذاته لمدة ست سنوات جديدة بعد انتهاء مدة ولايته. والعبرة التي قصدها المشرّع من وراء هذا المنع هي تأمين استقلال القاضي الدستوري وعدم تزلّفه لأي سلطة سياسية أو تشريعية طمعا في التجديد له بحيث تأتي قراراته ومواقفه الدستورية مجرّدة من كل غاية أو مصلحة شخصية مرتبطة بالطموح للتجديد.
لكن القاعدة التي تحظّر التجديد لا تطبق على الأعضاء الذين يعيّنون لملء المراكز الشاغرة. فالفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري تنص على ملء مركز أحد الأعضاء، الشاغر بسبب الاستقالة أو الوفاة أو العجز الصحي أو لأي سبب آخر، بالطريقة ذاتها التي يتم بها التعيين وللمدة المتبقية من ولاية من شغر مركزه. وفي هذه الحال لا تطبق على العضو البديل قاعدة منع التمديد إذا كانت المدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن سنتين.
فالقاعدة القانونية تقضي إذن بعدم التجديد ولا يجوز الخروج عليها إلا استثناء وفقط في حال عيّن العضو في المجلس الدستوري لملء المركز الشاغر وفق ما تنص عليه الفقرة الأخيرة من المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري وعلى أن تكون المدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن سنتين. وهذا ما هو معمول به في فرنسا حيث يحظّر الدستور الفرنسي تجديد مدة ولاية عضو أو رئيس المجلس الدستوري ما عدا الحالة الاستثنائية الملحوظة في القانون الصادر في تاريخ 7 تشرين الثاني سنة 1958 ، وهي ذاتها التي وردت في القانون اللبناني، والقاضية بإمكان تجديد ولاية عضو المجلس الدستوري الذي عين لملء المركز الشاغر شرط أن تكون المدة المتبقية من ولاية العضو الأصيل تقل عن ثلاث سنوات وليس عن سنتين كما جاء في المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري اللبناني ( م 12 من القانون الفرنسي الصادر في 7 / 11/ 1958 – انظر في هذا الخصوص أيضا :
F. LUCHAIRE : La durée du mandat du président du Conseil constitutionnel ; la vie judiciaire, 28 décembre 1986 – J.BOURDANT : Le président du Conseil constitutionnel, RDP 1987, p. 581).
وانطلاقا من هذه القاعدة الأساسية يمكن التأكيد على أن أي قرار يتخذ بتجديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري خارج الحالة الاستثنائية الوحيدة المحددة حصرا بنص المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمشار إليها آنفا وبنص المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، يكون مخالفا للقانون وتاليا لأحكام الدستور. ذلك أن المادة الرابعة من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري تشكّلان قاعدة قانونية ملزمة، إذ أنهما وضعتا بموجب نص دستوري وهو نص المادة 19 من الدستور التي جاء فيها انه " ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية... وتحدد قواعد تنظيم المجلس وأصول العمل فيه وكيفية تشكيله ومراجعته بموجب قانون".

إن غالبية الأنظمة في العالم تجعل من ولاية أعضاء المجلس الدستوري غير قابلة للتجديد. وهذا ما أعتمده المشرّع اللبناني بنص المادة الرابعة من قانون المجلس الدستوري. وذلك على غرار ما هو معمول به في التشريع الفرنسي ( القانون الفرنسي الصادر في تاريخ 7/ 11 / 1958 ). والهدف الأول والأساسي من منع التجديد يكمن في ضمان استقلالية القاضي الدستوري المعيّن وحياده وعدم ارتهانه للسلطة التي عينته. هذا لأنه، كما يقول Roger Collard ،" حيث لا وجود لقضاة يتمتعون بالاستقلالية والحياد، لا نكون سوى أمام مندوبين للسلطة الحاكمة" ( أنظر في هذا الخصوص :
Jean GICQUEL , Op. cit , p. 718 ).

وعلى هذا الأساس، لا تجدد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري حفاظا على استقلاليتهم ولعتقهم من أي ارتهان أو امتنان للسلطة التي قررت تعيينهم. فعضو المجلس الدستوري الذي يعلم مسبقا أن ولايته لا تتعدى الست سنوات مهما كانت الظروف ومهما عظمت المصائب والأحداث التي قد تعصف بالبلاد، يعمل دائما بذهنية المتحرر من أي وصاية أو تسلط أو تدخل لأنه لا يمكنه أن يطمح لارضاء هذه السلطة أو تلك ( السلطة التي عينته أو السلطة التي قد يمكنها أن تجدد ولايته أو تمددها) طالما أن القانون يحظّر التجديد.
وتتأمن بذلك استقلالية القاضي الدستوري ويطمئن المواطن إلى قراراته التي يفترض أن تكون منزهة عن أي مصلحة شخصية أو رغبة في إرضاء سلطة التعيين والتجديد أو التمديد، ما يعزز بشكل فعّال مكوّنات النظام الديمقراطي في البلد القائمة خصوصا على حماية الحريات وتحقيق العدالة واستقلال المؤسسات الدستورية كافة. وهذا ما يؤكّد عليه صراحة العلاّمة الدستوري جان جيكال بقوله:
« Les membres du conseil constitutionnel disposent, en contrepartie de leur obligation de réserve, des moyens d’accomplir leur mission en toute liberté. Outre la transfiguration ou l’admirable ingratitude, à laquelle tout serviteur de l’Etat de droit peut songer, en mémoire du Chancelier Thomas More, les conseillers sont nommés pour un mandat de neuf ans ( art. 56, al. 1er de la Constitution), qui ne peut être, ni renouvelé, ni révoqué. En un mot, ils bénéficient de l’inamovibilité. Le non-renouvellement du mandat se présente, objectivement, comme un gage d’indépendance par rapport à l’autorité de nomination » ( Jean GICQUEL : Op.cit, p. 718-719).

من جهة أخرى، يهدف المشرّع من خلال تحظير تجديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري إلى قطع الطريق أمام السلطة التي يعود لها حق تعيين أعضاء المجلس الدستوري لمنعها من محاولة جعل الأعضاء الطامحين إلى تجديد أو تمديد ولايتهم رهائن امتنان لها، ومن أن تمارس عليهم الضغوط بسلاح الترغيب من جهة أو التهديد بحرمانهم من التجديد من جهة أخرى. وبهذا فان منع تجديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري أو تمديدها يضع عضو المجلس الدستوري بمنأى عن كل ضغط ترغيبي أو ترهيبي، وفي موقع مستقل ومحايد بعيدا عن التزلّف والتملّق والامتنان والعرفان بالجميل إزاء السلطة التي عينته طالما أنه لا يمكنه أن ينتظر تحقيق أي رغبة أو طلب. مما يجعل من المجلس الدستوري قضاء مستقلا لا يتأثر لا بتوجهات السلطة التي أتت بأعضائه ولا برغباتها السياسية أو الشخصية. وهذا ما عبّر عنه صراحة العلاّمة الدستوري Frédéric ROUVILLOIS في فرنسا حين قال:
« … Le mandat des membres du Conseil constitutionnel n’est pas renouvelable. Cette disposition assure aux membres du Conseil une réelle liberté : elle leur permet d’assumer sans remords leur « devoir d’ingratitude » » ( Droit constitutionnel, La Ve République, édition Flammarion , 2001, p. 238- V. aussi en ce sens : D. ROUSSEAU : Sur le Conseil constitutionnel, la doctrine BDINTER et la démocratie, Descartes et Cie , 1997, p. 37).

إن ما يؤكّد أيضا حرص المشرّع على عدم تجديد ولاية أعضاء المجلس الدستوري لضمان استقلال وحياد القاضي الدستوري وعدم ارتهانه لعامل إغوائه بالتجديد أو التمديد له، هو نصه على منع اختصار مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري ( م 4 من قانون المجلس الدستوري ). وهذا يعني أن المشرع أراد أن يحمي هؤلاء ضد أي ضغط أو هيمنة، بما يؤمّن الحرية اللازمة لكل منهم من أجل القيام بمهماته وفقا لما يمليه عليه ضميره وما تفرضه عليه المبادئ والقواعد الدستورية، وبما يجعل من المجلس الدستوري سلطة قضائية مستقلة.
لذلك فان كل اتجاه نحو التجديد لأعضاء المجلس الدستوري المنتهية مدتهم سيعد انتهاكا صارخا لأحكام القانون، واعتداء على مبدأ استقلال القاضي وحياده المصون بنصوص الدستور، وهو مبدأ وضعه المجلس الدستوري اللبناني في مصاف المبادئ الدستورية في قراره الصادر في تاريخ 27 حزيران سنة 2000 على اثر المراجعة التي قدمت ضد القانون الرقم 227 تاريخ 31 أيار 2000 المتعلق ببعض مواد نظام مجلس شورى الدولة. هذا عدا عن أن قرار التجديد، في حال صدوره، سيشكّل سابقة خطيرة في النظام اللبناني قد تؤدي إلى فتح الباب أمام هذا النوع من الهرطقيات القانونية والدستورية التي تطال من استقلال المؤسسات الدستورية كافة ومن صدقيتها ومصداقيتها.
وانطلاقا من هذه المبادئ لا يجوز للسلطات المختصة أن تجدد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري المنتهية مدتهم وان كان التجديد يهدف الى تمكين هذا المجلس من النظر في الطعون المقدمة أمامه بنتائج الانتخابات النيابية وتأمين احترام قاعدة استمرارية المؤسسات الدستورية. لكن السؤال يطرح عن جواز تمديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري كي يتمكّن هذا المجلس من النظر في الطعون المقدمة أمامه وكي تحترم قاعدة استمرارية العمل في المؤسسات الدستورية.

ثانيا: في استمرارية مهمات المجلس الدستوري المنتهية مدة ولاية أعضائه إلى حين تعيين أعضاء جدد.
إن تمديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري يفترض أن تضاف على المدة القانونية ( وهي ست سنوات) لولاية هؤلاء فترة معيّنة بقرار تتخذه السلطة التي يعود لها حق التعيين ( المجلس النيابي ومجلس الوزراء). وقد تبلغ الفترة المضافة شهر أو عدة أشهر أو حتى عدة سنوات دون أن تبلغ الست سنوات. وقد يأتي هذا التمديد بحجة تخطي ظرف قاهر معيّن أو حوادث استثنائية قد تقف حائلا دون عملية التعيين العادية. لكن السؤال يطرح عن مدى قانونية ودستورية هذا الإجراء.
يقتضي للجواب على هذا السؤال عدم الخلط بين قرار تمديد ولاية أعضاء المجلس الدستوري وما جاء في المادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري الموضوع بالقانون الرقم 243 تاريخ 7 آب سنة 2000. فهذه المادة نصت على أنه " عند انتهاء الولاية، يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين". وهي تأتي لتؤكّد عدم إمكان تمديد ولاية أعضاء المجلس الدستوري بقرار من السلطات المختصة مهما كانت الظروف التي حالت دون تعيين أعضاء جدد قاهرة واستثنائية.
فلو أن الظروف القاهرة أو الاستثنائية تسمح بتمديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري، لما كان المشرّع وضع نص المادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري التي تدل بوضوح تام على نيته الحقيقية وعلى ما أراد من خلال حيثياتها وخصوصا أن هذه الحيثيات تصرّ على أن يستمر الأعضاء المنتهية ولايتهم في ممارسة مهماتهم إلى حين تعيين أعضاء جدد. فهو عملا بالقاعدة الأساسية التي وضعها في قانون إنشاء المجلس الدستوري والقاضية بعدم تجديد مدة ولاية أعضاء المجلس الدستوري، جاء ليؤكّد أيضا في النظام الداخلي لهذا المجلس على عدم إمكان تمديد هذه الولاية بإصراره على بقاء الأعضاء المنتهية ولايتهم إلى حين تعيين أعضاء جدد، وذلك حرصا منه على مبدأ استقلال قضاء المجلس الدستوري وعلى عدم السماح للسلطة الإجرائية أو حتى للسلطة التشريعية التستر بغطاء الظروف الاستثنائية أو القاهرة كي تمدد لأعضاء المجلس الدستوري الذين أتت بهم. لكنه أراد في الوقت ذاته أن يؤمّن استمرارية عمل المجلس الدستوري منعا لأي فراغ دستوري، فنص على ضرورة أن يستمر الأعضاء المنتهية ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين، أي إلى حين زوال الظرف الذي وقف عثرة أمام تعيين الأعضاء الجدد.
وعلى هذا الأساس، فإذا كان المانع اليوم من تعيين أعضاء جدد للمجلس الدستوري بدلاء عن الأعضاء المنتهية ولايتهم يكمن في الخلافات الرئاسية أو في الخلافات السياسية وغيرها القائمة بين أركان الحكم، فان الأعضاء الذين انتهت ولايتهم يستمرون في ممارسة مهماتهم إلى حين انتهاء هذه الخلافات وقيام مجلس النواب ومجلس الوزراء بتعيين الأعضاء الجدد مكانهم بالطريقة التي نص عليها القانون، إذ لا يجوز أن يتم تعيين بعض هؤلاء من قبل المجلس النيابي منفردا في وقت لا يقوم مجلس الوزراء بتعيين الأعضاء الباقين، مما يوجب الاتفاق بين المجلس النيابي ومجلس الوزراء على هذا الأمر حتى تتم عملية التعيين بشكل كامل. وذلك حرصا على استمرارية العمل في المجلس الدستوري وحماية للمصلحة العامة. على أن استمرار أعضاء المجلس الدستوري المنتهية ولايتهم في القيام بمهماتهم تطبيقا للمادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، لا يعني إطلاقا أنه تم التمديد قانونا لهؤلاء. فمدة استمرارهم في القيام بمهماتهم لا تكون محددة في هذه الحال، إذ أنها تكون مرتبطة بزوال الظرف الذي يحول دون قيام السلطة المختصة بتعيين الأعضاء الجدد مكانهم. وهذا هو العنصر القانوني الأساسي الذي يفرّق هذا الوضع ( وضع الاستمرار الموقت في القيام بأعمال المجلس الدستوري) عن وضع التمديد لأعضاء المجلس الدستوري المنتهية ولايتهم الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بقرار صادر عن السلطة المختصة التي تحدد بموجبه مدة التمديد. فالتمديد لا يتحقق إذن إلا بقرار من السلطة المختصة، في حين أن استمرار أعضاء المجلس الدستوري المنتهية مدة ولايتهم في القيام بمهماتهم لا يحتاج إلى أي قرار في هذا الخصوص. أضف إلى ذلك أن ولاية الأعضاء الذين مدد لهم لا تنتهي إلا بانتهاء المدة التي حددت بقرار التمديد، بينما أن الأعضاء الذين يستمرون في القيام بمهماتهم عملا بنص المادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري يتوقفون حكما عن القيام بهذه المهمات فور تعيين أعضاء جدد بدلاء لهم وحلفهم اليمين القانونية. ولهذا يتوجب على مجلس الوزراء الإسراع إلى تنفيذ هذا الإجراء الضروري منعا لقيام أوضاع شاذة وغير طبيعية، إذ لا يجوز أن يستمر العضو المنتهية ولايته في وظائفه إلى ما لا نهاية بسبب الخلافات السياسية بين أهل الحكم ولا يجوز أن تصبح المصلحة العامة رهينة الرغبات السياسية الشخصية والأنانية وأن تنتهك الشرعية باسم الطائفية وقواعد المحاصصة.
وبما أن مجلس الوزراء لم يقدم بعد على تعيين العضوين المنتهية مدتهما في المجلس الدستوري، وبما أن المصلحة العامة تقضي بأن يتم البت في الطعون بنتائج الانتخابات النيابية التي ستقدم من قبل أصحاب الشأن المتضررين، وعملا بقاعدة ضرورة تأمين استمرارية العمل في المؤسسات الدستورية والمرافق العامة، يحق للمجلس الدستوري بتركيبته الحالية أن ينظر في الطعون المقدمة أمامه ببعض المخالفات الانتخابية وذلك بالاستناد إلى نظامه الداخلي الذي يجيز لأعضاء المجلس الدستوري المنتهية ولايتهم الاستمرار بمهماتهم إلى حين تعيين أعضاء جدد بدلاء لهم وحلفهم اليمين القانونية. لكن هذا الحل الذي يفرض بحكم حالة الضرورة والحفاظ على المصلحة العامة، لا يعفي مجلس الوزراء من القيام بموجب تعيين عضوين مكان العضوين المنتهية مدتهما في المجلس الدستوري وبأسرع وقت ممكن.




















































































































ط